تحمل الانتقادات الحادة لاداء الاعلام الرسمي السوري أسئلة تتناول فعالية القرارات الاخيرة للتطوير الاعلامي من جانب ودور الصحف المرخصة استناداً الى قانون المطبوعات الصادر عام 2001 في تطوير الاعلام كما تطمح الحكومة والشارع السوريان. وعلى رغم مرور نحو أربع سنوات على ظهور تلك الاصدارات الا ان الآمال المعلقة عليها لم تتحقق او على الأقل لم تستطع الغالبية العظمى من نحو 117 جريدة ومجلة اسبوعية وشهرية وفصلية نالت الترخيص ان تخلق مناخاً اعلامياً مختلفاً عما أوجدته الصحف الرسمية التي لا تزال على رغم كل الانتقادات الموجهة اليها الاكثر حضوراً في تناول القضايا المحلية. لكن تحميل تلك المطبوعات الوليدة مسؤولية ضعف الأداء الاعلامي لا يبدو عادلاً بشكله المطلق لاعتبارات عدة تتصل بحداثة التجربة بعد غياب الصحف الخاصة لأكثر من أربعة عقود وعدم الترخيص حتى اللحظة لأي جريدة سياسية يومية في انتظار صدور أول ترخيص لها كما هو متوقع في غضون أربعة أشهر، فاقتصرت التراخيص حتى الآن على مطبوعات منوعة تختص غالباً بالاقتصاد والثقافة والاعلانات والرياضة، ورخص لاسبوعية سياسية واحدة "أبيض أسود" لصاحبها محمد بلال توركماني نجل وزير الدفاع السوري، وهي الأولى من نوعها منذ وصول حزب البعث الى السلطة في سورية عام 1963 عندما ألغيت تراخيص كل المجلات والصحف الخاصة. وتضاف الى ذلك عوامل ذاتية تتصل بظروف الاصدار وكلفته وآليات العمل الاعلامي في ما يخص التوزيع والاعلانات. من الناحية النظرية تحتاج سورية التي تعد نحو 20 مليون نسمة أكثر من 500 مطبوعة أو دورية كما يرى رئيس تحرير "أبيض وأسود" أيمن الدقر سائلاً عن المانع من اعطاء المزيد من التراخيص طالما انها "تعبر عن الشارع وتوصل صوته الى الحكومة ومجلس الشعب؟! فيما يرى رئيس قسم الاعلام في جامعة دمشق الدكتور أحمد الاصفر ان "المجتمع السوري قابل لأن يستوعب عدداً كبيراً من المجلات والصحف التي تعكس رأياً وفكراً ورسالة يعبر عنها أصحابها"، مشيراً الى ان موضوع حضور هذه الوسائل "موضوع آخر، اذ توجد وسائل اخرى كالكتب والمراكز الثقافية، والاهم من ذلك ان مجتمعنا مجتمع مشافهة يعتمد على النقل والكلام". ويؤيد رئيس تحرير "أبيض وأسود" وجهة النظر تلك مشيراً الى ان السوريين لا يتابعون الخبر والمقال السياسي في صحفهم الرسمية في ظل وجود الفضائيات، لتقتصر قراءة هذه الصحف غالباً على صفحات المنوعات والتسلية! مشكلتا الاعلان والتوزيع ولا يكفي الجانب النظري لتحليل الواقع الحالي للصحف الخاصة. فهناك معطى أكثر أهمية يرتبط بحجم "السوق الاعلانية" المغذية، ويشير صاحب جريدة "الاقتصادية" الاسبوعية وضاح عبدربه الى ان قيمة الاعلانات في الاعلام المطبوع بلغت بين 15 و16 مليون دولار العام الماضي ذهب نصفها الى الصحف الرسمية. مضيفاً ان هذه المعطيات تجعل "الاعلانات غير قادرة على تمويل اكثر من عشر صحف أو مجلات" من نوعية "الاقتصادية". ويرى عبدربه الذي يدير الصحيفة الاقتصادية الرئيسة في سورية ان المطبوعات الصادرة اخيراً لم تبن مؤسسات اعلامية حقيقية تستطيع تمويل ذاتها بذاتها من دون الوقوع فريسة التوقف عند أي مشكلة مالية"، مؤكداً ان غياب الاعلان خمسة الى ستة اعداد تكفي لاغلاق اكبر تلك الدوريات. والمصاعب هذه تضاف الى شكاوى اصحاب الصحف من الآلية المعتمدة في مؤسسة الاعلان التي تحصل 20 في المئة من قيمة كل اعلان على رغم عدم اضطلاعها بأي دور في تأمينه فضلاً عن انه يتطلب دفع رسوم للمندوبين او وكالات الاعلان المختصة. ويتحدث عبدربه عن ان تلك الصحف تدفع مبالغ طائلة تعيق حركتها وتطوير ذاتها، فهناك ايضاً 5 في المئة رسم بلديات، واثنان في المئة لاتحاد الصحافيين ليصبح مجموع ما ندفعه 27 في المئة خفضها رئيس الوزراء اثر الاجتماع مع ممثلي الاعلام الخاص العام الماضي الى 22 في المئة. والحال هذه يشكو منها الدقر ايضاً لافتاً الى ان مشكلة الاعلان كبيرة جداً وتشكل تحدياً لكل الصحف الصادرة حديثاً، ويضيف اليها مشكلة التوزيع الذي تحتكره ايضاً مؤسسة توزيع المطبوعات، مشيراً الى سوء تنظيم في عملية توزيع مجلته يلحظها أحياناً من خلال تكدس اعداد كثيرة في أكشاك أطراف المدينة فيما تغيب عن وسطها. والمعضلة ان التوزيع عبر المؤسسة الزامي فضلاً عن النسبة التي تحصل عليها المؤسسة. ويشير عبدربه الى ان الغاء حصر التوزيع يجعل من الممكن تأسيس شركة توزيع خاصة بعيداً من عقلية القطاع العام البيروقراطية وبأجور أرخص بكثير. ويصل عبدربه بعد تلك العوائق الكبيرة الى ان الحكومة لم تعط أي حافز لتطوير الصحف والمجلات الخاصة وتفعيل دورها ملاحظاً ان أي شخص يستطيع اصدار صحيفة في لبنان وبشروط أفضل بكثير حتى مع ادخالها الى سورية، ذلك "انها في هذه الحال لا تخضع لضريبة الدخل وتوزع مثل أي صحيفة محلية ولا تحظر عليها اعلانات التبغ والكحول ولا علاقة لمؤسسة الاعلان بها من قريب او بعيد". هامش الحرية في هامش الحرية المعطى تبدو الامور "على ما يرام" خلال تجربة الاعوام الاربعة الماضية باستثناء حالة "الدومري" لفنان الكاريكاتور علي فرزات. فعلى رغم التأكيدات الرسمية في حينه بأن سحب الترخيص في آب أغسطس 2003 تم ل"عدم التزامها القوانين النافذة" ومن بينها قانون المطبوعات الذي نص على عقوبة كهذه في حال عدم صدور المطبوعة لثلاثة شهور متتالية، الا ان فرزات أشار في حينها الى الجرأة التي تمتعت بها الصحيفة في انتقاد الحكومة كان السبب وراء الاغلاق. وخلافاً لتلك الحادثة يشير رئيس تحرير "الاقتصادية" الى ان هذا الجانب هو الاسهل مؤكداً انه لم يسبق ان تعرض لأي ملاحظة قانونية تتعلق بما ينشر على رغم تناوله كل القضايا التي تقع في دائرة اختصاص صحيفته، كما ان المحاولات لمراقبة العدد قبل طباعته رفضتها ادارة الصحيفة نهائياً، فيما يتحدث الدقر عن انه لم يتعرض لأي رقابة او مساءلة طوال السنوات الاربع الماضية من عمر المجلة. ويؤكد الدقر ان كثيراً من افتتاحيات مجلته "تناولت مواضيع جريئة لم يتناولها احد من قبل في الاعلام المحلي ك: حالة الطوارئ والمطالبة بايجاد قانون للأحزاب وأسئلة حول القيادات القطرية لحزب البعث التي تدار من قيادة قومية في سورية". ويبرر رئيس تحرير "أبيض وأسود" مرور تلك المواد باعتبارها "كتبت ضمن المنطق وتخاطب العقل"، مشيراً الى انه في حال "قانون الطوارئ مثلاً نحن في حال حرب مع اسرائيل لكن يجب تحديد ماذا يعني أمن الوطن بدقة لا ان يحسبني شرطي مرور مثلاً تحت اسم مخالفة!". ويشير الصحافيون المراقبون لكل تطورات العملية الاعلامية الى أهمية التجربة على رغم الصعوبات التي تواجهها، فما صدر الى الآن من دوريات خاصة يعد "خطوة على طريق طويل" كما يقول أمين السر العام لاتحاد الصحافيين السوريين طريف حاكمي، مشيراً الى انه يصعب توصيف الصحيفة السياسية، ذلك ان السياسة تدخل في كل المجالات في اقتصاد وفكر وثقافة ومجتمع. ويضيف حاكمي ان جهوداً تجرى حالياً لاغناء العمل الاعلامي بدءاً بتعديل مواد معينة في قانون المطبوعات تتصل بإلغاء العقوبات السالبة للحرية واعطاء الحق لمن ألغي ترخيصه باللجوء الى القضاء وصولاً ليكون الاتحاد هو المسؤول عن الصحافي في ما يتعلق بالاخلال بأعراف وتقاليد المهنة. والواضح ان تجربة الاعوام الأربعة الماضية للصحف الخاصة على رغم صعوبتها، تبدو محطة بسيطة في سياق توجه اعلامي بالتوسع بإعطاء الرخص بما يشمل اليومي ايضاً وصولاً الى تطوير المؤسسات القائمة. كما وعد وزير الاعلام مهدي دخل الله لتشمل اضافة الى دمج "تشرين" و"الثورة" مع مؤسسة التوزيع تخصيص الأولى بالشؤون السياسية والثانية بالوضع المحلي واعطاء "سيريا تايمز" الناطقة بالانكليزية استقلالية تامة، وإصدار صحيفة مسائية "دمشق المساء" تعنى بالشأن المحلي للعاصمة.