«تجارة وأعمال»، «الحال»، «المجتمع الاقتصادي»، «مصارف وتأمين»، «قضايا»... أسماء مطبوعات اقتصادية سورية صدرت خلال السنوات الأخيرة ثم توقفت أخيراً، ليتقلص عدد المطبوعات الاقتصادية «المؤثرة» من 12 إلى خمسة، بحسب المتخصصين. وتشير أوراق وزارة الإعلام إلى وجود 36 مطبوعة تدخل كلمة اقتصادية في ترخيصها، أما الاقتصادية المتخصصة فعددها ثمانية، أشهرها «الاقتصادية»، «الاقتصادي»، «القنديل» و»الخبر» الأسبوعيات و»المال» نصف الشهرية. «قانون الاستثمار رقم 10 وقانون المطبوعات الجديد لعام 2001 لعبا دوراً مؤثراً في انتشار المطبوعات الاقتصادية والاهتمام بها»، يقول يعرب عيسى الذي عمل مديراً للتحرير في ال»مال» و»بورصات وأسواق» ورئيس تحرير لصحيفة «الخبر». ويعزو عيسى طلبات الترخيص المتزايدة للمطبوعات الاقتصادية إلى عوامل ثلاثة: «الصورة الذهنية بأن الجريدة هي السياسية وبما أن السياسة خطرة يذهبون إلى الأقرب لها وهو الاقتصاد، إضافةً إلى أن الاقتصاد أكثر قطاعات الحياة السورية حراكاً، وأخيراً الاعتقاد بأن المطبوعة الاقتصادية مربحة والذي ثبت خطؤه بدليل المطبوعات الكثيرة التي توقفت». إلى ذلك، ثمة عامل آخر وهو «حاجة السوق المحلية، ووجود الشركات التي تطلب أن يكون نشاطها مغطى إعلامياً»، بحسب جوني عبو، رئيس تحرير مجلتي «الحال» و»المال» سابقاً. خسارة أكيدة... ربح محتمل يشير صاحب ورئيس تحرير جريدة «الاقتصادية» وضاح عبد ربه إلى أن «بعض رجال الأعمال يؤسسون صحفاً اقتصادية للدفاع عن مشروع معيّن، والجديد هو تمويل جهات حكومية لصحف ومجلات للدفاع عن سياساتها». وفتحت «الاقتصادية» باب المطبوعات الاقتصادية المتخصصة في سورية عام 2001، عند حصولها على أول ترخيص لمطبوعة خاصة وفقاً لقانون المطبوعات القديم عام 1948، لتكون أول صحيفة أسبوعية اقتصادية. وخرجت «الاقتصادية» إلى السوريين بثمانية آلاف نسخة، «لسدّ فراغ الإعلام الاقتصادي، ومن يراقب أعداد الاقتصادية الأولى يجد أن كل القوانين التي طالبت بها صدرت، كالسماح باستيراد السيارات... والبورصة»، يقول عبد ربّه، ليصل توزيعها اليوم إلى 21 ألف نسخة. وعن صدورها كصحيفة في شكل مجلّة، يوضح عبد ربه انه «في ذلك الوقت لم تتوافر الإمكانية لطباعة ورق جريدة فاخر وراق في مطابع الدولة، وأنا لم أرد أن تكون مجلة لئلا تعتبر تقليداً للمطبوعات الاقتصادية اللبنانية الكبيرة، فاخترت المنتج الوسط، حجم التابلويد لكنه ملون وعلى ورق لامع». «حتى عام 2004 كانت الاقتصادية تخسر»، يؤكد عبد ربّه، مشيراً إلى أن خسارة أول ثلاث سنوات هو خطوة أساسية لمن يفكر في تأسيس مجلة أو صحيفة اقتصادية في سورية. في حال مجلتي «الحال» و»المال»، يقول عبو: «استطعنا أول سنتين أن نغطي التكاليف، لكن ذلك لا يغيّر من حقيقة أن المجلتين كانتا خاسرتين، بعد ذلك استطعنا تغطية النفقات تماماً، وفي بعض الأحيان حققتا الربح، فالمطبوعات الاقتصادية فيها مردودية، لكنها تحتاج إلى إدارة صحيحة ولتحقيق التناغم بين التحرير والتسويق». حمود المحمود، رئيس تحرير مجلة «الاقتصادي»، يرى أن الخسارة هي رفيق المطبوعة الاقتصادية في سنواتها الأولى، زاعماً أن «الاقتصادي» هي المجلة الاقتصادية الوحيدة الرابحة في سورية، «لتحقيقها التوازن بين المهني والتجاري». ويستشهد الحمود على ذلك بعدم تعرضها للخسارة عام 2008، ويقول: «في بداية الأزمة المالية عام 2008، اجتمع فريق التحرير في «الاقتصادي» لدراسة خفض النفقات عند نقص سوق الإعلان، وجنّبتنا سياستنا هذه الخسارة»، مشيراً إلى ان الاشتراكات (السنوية بالمجلة) تغطي تقريباً التكاليف وتشكل نحو 60 في المئة من القرّاء. ودخلت مجلة «الاقتصادي» عام 2004 مع المطبوعات الصادرة بحسب قانون المطبوعات الجديد باسم «الاقتصاد والنقل»، ليتغير اسمها إلى «الاقتصادي» وتتحوّل نصف شهرية عام 2008. وتطبع «الاقتصادي» 5000 نسخة، «أما الأعداد التي تنشر ملفات كبيرة، فيصل عدد النسخ المطبوعة منها إلى 10 آلاف، كالملف الذي تعدّه المجلة عن أبرز 100 رجل أعمال في سورية، وشيوخ الكار في الصناعة وشهبندر التجار»، كما يقول الحمود. الإعلان... بعد الاشتراكات تستهدف صحيفة «الاقتصادية» «أصحاب القرار ورجال الأعمال والمصارف، بينما تغطي مجلة «الاقتصادي» أخبار وملفّات ونشاطات القطاع الخاص السوري في شكل رئيسي. ويقدّر عبد ربه رأس المال اللازم لتأسيس جريدة أو مجلة اقتصادية أسبوعية في سورية ب300 ألف دولار تقريباً، مع حساب خسارة السنوات الثلاث الاولى، فيما يشير الحمود إلى أن كل عدد من المجلة أو الجريدة يكلف إصداره نحو 14 ألف دولار. ويشكل الإعلان المصدر الثاني لأرباح وتغطية تكاليف المطبوعات مع الاشتراكات، «سوق الإعلان السوري ضعيف جداً مقارنة بالإعلانات في الدول العربية، على رغم أنه ينمو سنوياً بفضل دخول شركات عربية وعالمية»، كما يقول المحمود. وفيما لا يزال «حجم الإعلان المساعد لإنشاء وسائل إعلام ضعيفاً في سورية مقارنة بلبنان ومصر والسعودية، تبقى العلاقات الشخصية والتوجهات العامة مع شبكة المصالح... الأساس المحّرك والموّجه للإعلان»، بحسب عبو. وأثّر «ازدياد عدد المطبوعات الاقتصادية في سورية، وعدد المغلقة منها، على ثقة السوريين باستمراريتها»، يؤّكد عبد ربّه، مقدّراً مجموع قرّاء كل المطبوعات الاقتصادية ب40 ألف شخص. كما «ملّ السوريون من الإنشائية التي تقوم عليها المطبوعات، وفقدوا ثقتهم بها، وعلى رغم محاولات القطاع الخاص الجاهدة لإعادة هذه الثقة، لكن لديه مشاكله. فعملية بناء إعلام موضوعي بما يحتاجه من كوادر ومال وبيئة وحرية تعبير، ليست سهلة»، يقول عيسى. ويوضّح عيسى أن «السوق الإعلانية في سورية ليست سوق إعلان صحافي، فهو يحتل آخر قائمة اهتمام المعلنين. أما على رأسها فهو الإعلان الطرقي والذي يحتل المرتبة الأولى في الإنفاق الإعلاني، لأن السوريين يمشون في الشارع أكثر مما يقرأون ويشاهدون ويسمعون». ويتحدث عبد ربه من جهة أخرى عن المنافسة «غير الشريفة» على الإعلانات في سورية، مشيراً إلى أن «الاقتصادية» حققّت الربح «على رغم أننا لا نتّبع سياسة بعض المطبوعات الاقتصادية التي تقوم بابتزاز المعلن، وكسر الأسعار لتشجيع المعلن». ويرى حمود ان «السوق الإعلانية تكفي لتغطية العدد المحدود من المطبوعات الاقتصادية، إضافة إلى تغطية المواقع الإلكترونية الاقتصادية أيضاً، والتي تعتبر منافساً قوياً». الصحافيون الاقتصاديون... نادرون «رجال الأعمال والاقتصاد أصبحوا نجوماً، وهم يأخذون حيّزاً أساسياً من المشهد السوري. وهذا شكّل عاملاً إضافياً لزيادة المطبوعات الاقتصادية، إضافة إلى سلسلة القوانين لتحرير الاقتصاد»، يقول عيسى، مستدركاً ان «10 مطبوعاتٍ ليست كثيرة على 22 مليون نسمة». ودفع دخول الاقتصاد إلى حياة السوريين اليومية بعض الصحافيين إلى التخصص في الاقتصاد، إلا أن عدد الصحافيين لا يزال مشكلة لأصحاب المطبوعات الاقتصادية، على رغم دخول الكثير من طلاب الإقتصاد إلى الحقل الإعلامي. ويقول الحمود: «على رغم استعدادنا لتطوير الصحافيين وتدريب طلاب الصحافة ليعملوا معنا، نواجه صعوبة كبيرة في إيجاد صحافيين اقتصاديين. فمنذ فترة ونحن نبحث عن مدير تحرير موقع «الاقتصادي» وملحق «أفندم» الخاص بالعلاقات السورية - التركية».