الراقصات المشهورات لم يعرفن الشهرة بسبب تقنيتهن الرفيعة بل بفضل شغفهن اللامحدود بالرقص الذي بات له عيد دولي في التاسع والعشرين من نيسان ابريل من كل سنة. رومانسية بامتياز منذ ان ابتكر الايطالي فيليبو تاغليوني اول باليه رومانسي من اجل ابنته ماري العام 1832، والراقصة الايطالية كارلوتا غريزي تجسد الرومانسية بحد ذاتها. فهي ولدت في العام 1819 في عائلة منغمسة في موسيقى الاوبرا. اسمها الحقيقي كارون اديل جيوسيبينا ماريا غريزي، شقيقتاها الكبرى والصغرى مغنيتا اوبرا واولاد اعمامها يغنون ايضاً كما عمتها وعمها. وهي التي كانت تملك صوتاً جميلاً جعل عائلتها تعلق آمالاً كبيرة عليها كمغنية اوبرا، اختارت الرقص من دون استثناء. فالتحقت بأكاديمية لا سكالا في السابعة من عمرها، وبدت راقصة واعدة في فريق الباليه التابع لها في العاشرة. رقصت كارون كل الادوار المخصصة للأطفال متنقلة بين مدينة ايطالية واخرى بعدما اصبحت راقصة محترفة في فرقة الرقص التابعة للأكاديمية عينها في اقل من سنتين.لم تكن بلغت بعد الخامسة عشرة عندما التقت الراقص والكوريغراف الفرنسي جول بيرو في خلال جولة راقصة في مدينة نابولي. هو كان برفقة الراقصة السويدية - الايطالية ماريا تاغليوني على المسرح والحياة الخاصة، وهي كانت نجمة صاعدة مجبولة بالحيوية وحب الحياة. ترك رفيقته واغرم بها فوراً، وصحبها معه الى اوبرا باريس حيث كان يعمل. علّمها كل رقصاته وصمم لها رقصات جديدة. بدّل اسمها الى كارلوتا، وأطلقها اوروبياً بعدما كانت شهرتها محصورة بإيطاليا فقط. اما هي فباتت حبيبته وانجبت منه ابنة من دون ان تتزوجه على الرغم من انها كانت تطلق على نفسها اسم"مدام بيرو". رقصا معاً ولازما بعضهما بعضاً ليلاً ونهاراً في كل العواصم الاوروبية لا سيما منها باريسولندن وفيينا وميونيخ، حيث احترفت الباليه والغناء في آن. وباتت شهرتها عالمية لا تعرف حدوداً جغرافية. وفي اقل من خمس سنوات، ارتفع اجرها من خمسة آلاف فرنك فرنسي الى عشرين الفاً العام 1844. الا ان اتساع شهرة كارلوتا ترافقت مع تبدل في نوعية علاقتها مع جول بيرو. فهي التقت الفرنسي تيوفيل غوتييه الذي كتب نص مسرحية"جيزيل"الراقصة العالمية. اغرما فوراً ببعضهما بعضاً وقادتهما شهرة"جيزيل"مجدداً الى لندن فميلانو وسان بطرسبورغ في روسيا كما نيويورك وبوسطن. وبدأ نجم جول بيرو بالأفول إلى جانب كارلوتا التي هجرته من اجل تيوفيل غوتييه. فأثبتت مرة أخرى أنّها تستطيع الحفاظ على شهرتها من دونه. اتخذت رفيقاً آخر للرقص وتابعت جولاتها الراقصة الناجحة قبل أن"تهمد"عاصفة هجرها لحبيبها الأول. فعادت مجدداً ترقص معه فيما تركها بدوره غوتييه وتزوج شقيقتها... ربما لأنها رفضت اساساً الزواج من اجل حريتها. وبقيت كارلوتا افضل صديقة لغوتييه حتى بعد زواجه في اغرب علاقة حب وصداقة عرفها المسرح آنذاك. ومرة جديدة، صمم جول بيرو رقصاتها. وبقيت كارلوتا خمسة اعوام ترقص معه في اوروبا قبل ان تتوجه في العام 1850 الى سان بطرسبورغ في روسيا لترافقه بعدما عُيّن استاذاً للرقص في مسرح البولشوي. فبقيت في روسيا متحولة طوال اربعة اعوام محط انظار الطبقة النبيلة. الا انها تركته مجدداً وتوجهت الى وارسو حيث كان لها القدر بالمرصاد. التقت الكونت ليون رادزيويل، واغرمت به وحملت منه طفلا، فأقنعها بهجر خشبة المسرح نهائياً لتتفرّغ له وحده. انصاعت كارلوتا لتمنياته بعدما انجبت ابنتها الثانية في الرابعة والثلاثين من عمرها. واستقرت في قرية صغيرة بالقرب من جنيف في سويسرا حيث عاشت 46 عاماً بهدوء وسكينة. وبقيت حتى آخر رمق من حياتها على اتصال بتيوفيل غوتييه الذي رافقها عن بعد الى ان فارقت الحياة قبل شهر واحد من عيدها الثمانين. عبقرية صقل الموهبة ومن روسيا، ولدت نجمة ثانية في الباليه. آنا بافلوفا التي قالت يوماً ان الله يمنح الموهبة، اما العمل فيحوّلها عبقرية. هي عرفت تماماً ان طريقها المهني اللامع ستشوبه الدموع والارهاق والتعب والرقص ساعات طويلة يومية قبل قطف ثمار التعب شهرة واسماً رادف نجومية الفن. فهي ابنة غير شرعية لخادمة روسية بسيطة وغير متعلمة. كانت في الثامنة من عمرها عندما اهدتها والدتها في عيدها بطاقة مسرحية باليه قررت حياتها المستقبلية على أساسها. حلمت بأن تكون راقصة باليه وقررت أن تتخطى كل العقبات لتحقيق هدفها. انتظرت سنتين حتى تبلغ العمر الذي يسمح لها بالالتحاق بمدرسة الباليه التي تدرّب الراقصات للالتحاق بفرقة الباليه الروسي. فانخرطت بصفوفها في العام 1892 وتخرجت بعد عشرة اعوام، خاضعة للجنة فاحصة تقرر اندماجها في الباليه الامبراطوري. اندهشت اللجنة وانخطفت انفاسها عندما رأتها تطير على المسرح. قدماها الصغيرتان لا تلمسان الخشبة لا بل تسبحان في الجو. نجحت بتفوّق، وتحولت راقصة"باليرينا"في الباليه المذكور من دون ان تتدرج في الرتب كما فعلت زميلاتها. الا ان فرحتها لم تكتمل... فبعد ثلاثة اعوام فقط، تعرض اهلها للاضطهاد من جيش القيصر. فقررت من يومها ان تناضل من اجل حرية الفن بلا حدود. وفي تلك الفترة ايضاً، صمم ميشال فوكين مسرحية"موت البجعة"خصوصاً لها. فهي كانت تملك بجعة اليفة في شقتها الصغيرة... وتملك ايضاً أناقة حركتها. فرقصت كل المسرحية على رؤوس اصابعها. احتضرت وماتت في النهاية وابكت كل من شاهدها بعدما احسنت تجسيد هشاشة الحياة. وآنا، منذ تلك الفترة قررت ان الحدود الجغرافية لن تقف عائقاً امام فنها. قطعت 350 الف ميل في اقل من 15 عاماً، خصوصاً بعدما اسست في العام 1912 فرقتها الخاصة. وعندما غادرت موسكو في أول جولة اوروبية لها، قال لها القيصر الروسي:"اخشى ان نفقدك."ولم تكد تصل الى المانيا حتى اندلعت الحرب العالمية الاولى ومن ثم الثورة الروسية التي حالت دون عودتها الى وطنها الام. بقيت ترقص في كل مسارح العالم. لم تترك مكاناً الا ووصلت شهرتها اليه، الا أن قلبها كان دوماً في المنزل الذي استقرت فيه في لندن مع مدير اعمالها فيكتور داندريه الذي قيل انه زوجها ايضاً. اشترت منزلاً في فرنسا في العام 1921 وحولته ملجأ للفتيات الروسيات الهاربات من ظلم الحكم الروسي. ثم عادت الى لندن حيث بقيت ترقص متجاهلة مؤشرات صحية عدة دلت الى ارهاقها. فلم تهدأ ولم ترتح قط. وعندما لازمت الفراش في العام 1931 واضطرت الى الغاء حفلتها، خاف محبوها عليها ومن بينهم ملوك وامراء اتصلوا كل ساعة لتفقدها. لكنها لم تأبه لأحد، بل طلبت فقط ان يجلبوا لها زي الباليه الذي رقصت به"موت بجعة"وان يعزفوا موسيقى المسرحية. فرقصت في ذهنها الرقصة الأخيرة... احتضرت وفارقت الحياة.