برزت بين الشركات المساهمة الجديدة التي أعلن عنها خلال الفترة الأخيرة من هذا العام في دولة الامارات شركة"آبار للاستثمار البترولي". ويعود بروز هذه الشركة الى جانب الشركات الكبرى الأخرى التي تم تأسيسها في أبو ظبي أن قيمة الاكتتاب في أسهم هذه الشركة بلغ"أرقاماً خيالية"، اذ أعلن في شكل أولي ان قيمة الاكتتاب في الأسهم المطروحة للمساهمين من غير المؤسسين بلغ 394 بليون درهم حوالى 108 بلايين دولار في مقابل 495 مليون درهم هي القيمة الفعلية للأسهم المطروحة للاكتتاب ليشكل الحجم الاجمالي للأموال المكتتب بها 800 مرة حجم المبلغ المطلوب. هذه الأرقام الخيالية دفعت"الحياة"الى مقابلة سهيل فارس المزروعي رئيس لجنة المؤسسين في شركة آبار للوقوف على السرّ وراء هذا الاقبال الفريد على أسهم هذه الشركة، والذي لم يسجل له مثيل في تاريخ الشركات المساهمة في الامارات ومنطقة الخليج والشرق الأوسط عموماً. غير ان المفاجأة كانت أكبر حينما أبلغنا السيد المزروعي واستناداً الى آخر الأرقام التي أعدها المستشار المالي ومدير الاكتتاب"شركة المستثمر الوطني"التي قادت عملية الاكتتاب بالتعاون مع مجموعة من البنوك الوطنية في الامارات، ان أرقام الاكتتاب في الأسهم المطروحة للاكتتاب والتي تمثل 55 في المئة من رأس مال الشركة البالغ 900 مليون درهم زاد عن الأرقام المعلنة. 109 ألف مكتتب وكشف المزروعي بحضور مسؤولين من المستثمر الوطني ل"الحياة"ان القيمة الفعلية والنهائية للاكتتاب على الأسهم المخصصة للمساهمين من غير المؤسسين بلغت 400.7 بليون درهم أكثر من 100 بليون دولار، فيما بلغ عدد المكتتبين حوالى 109 آلاف مكتتب، وحصل المكتتبون الأفراد المسجلون ضمن الشريحة الأولى على 1580 سهماً، فيما خصص 8 في المئة من الأسهم لكل مكتتب من الشريحة الثانية التي تمثل الأفراد والشركات والمؤسسات والهيئات، التي خصص لها 325 مليون سهم تم توزيعها على المكتتبين في هذه الفئة بطريقة النسبة والتناسب. يزداد مع هذه الأرقام الجديدة التي تم الكشف عنها ل"الحياة"التساؤل حول الدوافع التي حملت المكتتبين الى الاكتتاب بأسهم"آبار"بهذا الحجم الضخم، وتبرز مع هذا السؤال جملة من الأسئلة حول عمل هذه الشركة، وامكانية فتح بعض جوانب قطاع النفط الذي كان في معظم دول الخليج تحت سيطرة الشركات الوطنية، أمام الشركات المساهمة، والجدوى الاقتصادية والفنية لانشاء مثل هذه الشركة لتعمل في قطاع تسيطر عليه الشركات العالمية بما تملكه من قوة رأسمالية ومن تكنولوجيا متقدمة، وبالتالي كيف ستدار هذه الشركة، ومتى سيتم طرحها في سوق أبو ظبي للأوراق المالية. كل هذه الأسئلة حملناها الى السيد سهيل فارس المزروعي رئيس لجنة المؤسسين لشركة آبار رئيس مجلس الادارة الذي اختير لقيادة هذه الشركة نظراً لتاريخه الطويل في صناعة النفط الاماراتية واحتلاله الموقع القيادي فيها، عندما شغل لسنوات عدة منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للبترول، والمدير العام لشركة بترول أبو ظبي الوطنية أدنوك. وهذا نص الحوار: ما هو بتقديركم السبب وراء هذا الاقبال الفريد نحو الاكتتاب في أسهم"آبار"ليبلغ أرقاماً خيالية لا مثيل لها في المنطقة؟ - السبب في رأيي هو الثقة الكبيرة بسياسة دولة الامارات واقتصادها، والثقة في كبار المؤسسين للشركة والقيمين عليها، يضاف الى ذلك ان"آبار"ستكون أول شركة بترولية مساهمة عامة يتم انشاؤها في مجال البترول على مستوى المنطقة. يتضح من خلال اسم الشركة ان عملها سيكون في قطاع الطاقة، فهل يمكن التعرف على المجالات التي ستخوضها؟ - ستكون"آبار"، واسمها الكامل"آبار للاستثمار البترولي"شركة بترول بالمعنى الحقيقي للكلمة. وستتوجه للعمل في مجالات الحفر البري والبحري، والاستكشاف والانتاج، والاستثمار في مجالات الطاقة المختلفة من خلال المساهمة في شركات للبترول والغاز، وانشاء شركات خاصة في هذا المجال، فيما سيكون النشاط الرابع للشركة هو خدمات البترول المتخصصة، باستخدام تكنولوجيا متقدمة. ورد في نشرة الاكتتاب لشركة آبار ان الشركة تنوي شراء"دلما"للحفر البترولي، وهي شركة قائمة وتعمل حالياً في المنطقة، فإلى أين وصلتم في عملية شراء هذه الشركة؟ - بالفعل ان"آبار"تعمل لشراء مثل"دلما"وقد جرت عمليات تقويم أولية، وسيتم بعد عقد الجمعية العمومية التأسيسية للشركة استكمال المفاوضات بين مجلس الادارة ومالكي"دلما"بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتخطيط للانتهاء من العملية. لا بد من ان انشاء أي شركة جديدة يجب أن يسبقه دراسات للجدوى الاقتصادية والفنية لانشائها، فماذا دلت الدراسات التي قمت بها حول الجدوى من انشاء"آبار"؟ - نستطيع ان نؤكد ان كل الظروف مواتية لانشاء الشركة في هذا الوقت الذي يشهد نمواً متزايداً في الطلب على النفط نتيجة النمو الاقتصادي العالمي المرتفع. وهذا يتطلب زيادة في انتاج النفط والغاز، الذي يتطلب بدوره نشاطاً كبيراً في مجال الاستكشاف والانتاج، وخصوصاً في منطقة الخليج التي تختزن أكثر من 60 في المئة من الاحتياطي العالمي، ودولة الامارات التي يبلغ احتياطي النفط الخام فيها حوالى 98 بليون برميل، وهي تعمل على زيادة طاقتها الانتاجية الاحتياطية من النفط الخام. ولا شك في ان عمليات الاستكشاف والانتاج تتطلب التوسع في عمليات حفر الآبار التي ستكون احدى الأنشطة التي ستقوم بها الشركة من خلال"دلما"التي سيتم شراؤها وتطويرها الى جانب شراء شركات أخرى لحفر الآبار. ومن المؤكد ان ارتفاع أسعار النفط يشكل حافزاً قوياً في هذه الفترة للاسراع في عمليات الاستكشاف عن حقول جديدة، والعودة الى الحقول الصغيرة لتطويرها لأنها أصبحت ذات جدوى اقتصادية مع الارتفاع الحالي في أسعار النفط. لذلك نرى أن الظروف مواتية للدخول في صناعة النفط. أمام هذا التوجه الواسع لشركة آبار في مجال الاستكشاف والانتاج، هل ترون ان شركة دلما التي تفكرون بشرائها، قادرة على القيام بالمهمات المطلوبة منها، خصوصاً انها لا تملك عدد الحفارات الكافي لمشروع بهذه الضخامة؟ - لا شك في ان شركة دلما ذات امكانات محدودة، ولكن شراءها من شركة آبار سيكون مقدمة لتطويرها وتوسيع أسطولها من الحفارات وتطوير ادارتها وأنظمتها، وكل متطلبات العمل فيها. كما ان"آبار"لن تتوقف عند هذا الحد وانما توجد لديها امكانات لشراء شركات أخرى تعمل في مجال الحفر، وانشاء شركات جديدة بهذا الهدف. يبقى ان الشيء المؤكد هو ان"دلما"شركة موجودة وعاملة وتحقق دخلاً مهماً من عملياتها، يعني ان شركة آبار ستبدأ في تحقيق عائد من عملياتها في شكل سريع، من دون الانتظار كما هو الحال في شركات الأخرى للانتهاء من عمليات التأسيس والبناء، التي تتطلب وقتاً طويلاً. وبالتالي سيكون أمام"آبار"فرصة مهمة لاستثمار رأس المال مباشرة. تحاولون اعطاء انطباعات بأن كل الظروف جيدة أمام انطلاق"آبار"ودخولها بقوة الى ميدان صناعة النفط والغاز في الامارات والمنطقة التي تتواجد فيها شركات نفطية عالمية عملاقة. فكيف تنظرون الى مسألة المنافسة، ووجودكم الى جانب هذه الشركات، خصوصاً في مجال الاستكشاف والانتاج؟ - لا شك ان المجال صعب وفيه مخاطرة كبيرة. ولكن في الوقت نفسه توجد فرص لتطوير حقول قائمة، وفي بعض الأحوال استكشاف حقول جديدة. وبالطبع ستكون لدينا خيارات للقيام بهذه الأعمال بأنفسنا أو بالتعاون مع شركات عالمية، وهذا يعتمد على تقويم كل حال على حدة كما انه جزء من استراتيجية الشركة. ذكرتم ان أحد مجالات عمل"آبار"سيكون في قطاع الخدمات البترولية. فهل يمكن القاء الضوء على هذا الجانب؟ - لدينا أفكار كثيرة في هذا المجال، ولا يمكن الكشف عنها قبل أن تتبلور بشكلها النهائي، ولكن من حيث المبدأ نفكر في شراء شركات خدمات بترولية قائمة أو الدخول في شراكات مع بعضها، نحن منفتحون على كل الاحتمالات. وماذا عن نشاط الشركة في مجال الاستثمارات؟ - الشيء المؤكد هو ان"آبار"ستعمل لانشاء شركة قابضة للاستثمار في قطاعات صناعة النفط والغاز المختلفة، ولتحقيق ذلك يمكن للشركة"القابضة"التي سيتم انشاؤها ان تساهم في شركات أو مؤسسات تعمل في مجال الطاقة، أو تأسيس شركات جديدة تعمل في مختلف المجالات التي تلي عمليات الاستكشاف والانتاج مثل نقل النفط والغاز والتكرير والبتروكيماويات. وهل تفكرون في العمل في مجال تسويق النفط والغاز وتجارة النفط عموماً؟ - كل الاحتمالات واردة، ويمكن للشركة أن تعمل بحسب الأهداف التي أنشئت من أجلها أي العمل في تجارة وتسويق النفط داخلياً وخارجياً. أمام هذه الرؤية الواسعة لعمل الشركة في مختلف قطاعات صناعة النفط والغاز، هل تعتقدون ان رأس مال الشركة 900 مليون درهم يكفي للقيام بهذه الأعمال؟ - هذا سؤال جيد، فنحن من البداية كنا نريد رأس مال أقل من 900 مليون درهم، فكلما كان رأس المال صغيراً كان العائد على الاستثمار أكبر، وبإمكان الشركة عندما تريد أموالاً اضافية الاقتراض أو زيادة رأس المال، ولا شك في أن الشركة تنمو ويزداد رأسمالها باستمرار مع مرور الوقت. "آبار"شركة اماراتية مساهمة، فهل تلقيتم اشارات من الحكومة في الامارات ودول المنطقة لدعمها واعطائها فرصاً للعمل في هذه الدول؟ - نؤمن أن عمل الشركة سيؤهلها للفوز بفرص مهمة في الامارات. كما اننا نأمل أن يتم استثمار السمعة الطيبة التي تتمتع بها الامارات وعلاقاتها القوية مع دول المنطقة لمصلحة الشركة. ويبقى الأمر في النهاية مرتبطاً بالفرص المربحة التي سنعمل للوصول اليها في أي موقع من دول المنطقة أو أية مناطق أخرى نجد فيها مردوداً اقتصادياً مرضياً. هل يشكل تأسيس آبار كشركة مساهمة عامة اشارة الى ان المنطقة ستكون مفتوحة أمام رأس المال الخاص للدخول في قطاع صناعة النفط والطاقة، الذي بقي حكراً على الشركات الحكومية الوطنية والعالمية؟ - نأمل في أن يكون هذا التوجه قائماً، وأعتقد بأن فتح هذا القطاع وخصخصته سيكون له أثر ايجابي في مستوى الاقتصاد الوطني. ستعقد الجمعية العمومية التأسيسية لشركة آبار اجتماعها في 21 أيار مايو الجاري، فما هي المهمات المطروحة أمامها، ومتى سيتم طرح الشركة في سوق أبو ظبي للأوراق المالية؟ - سيكون اجتماع الجمعية العمومية التأسيسية مهماً لجهة الاعلان الرسمي عن تأسيس الشركة، وتحويل لجنتها التأسيسية الى مجلس ادارة لمدة ثلاث سنوات يقود فيها رسم سياسات الشركة وتنفيذ أهدافها. وأما ادراج اسهم الشركة في سوق أبو ظبي للأوراق المالية فسيتم في حزيران يونيو المقبل أو في شهر تموز يوليو، وسيكون ذلك امراً مهماً لجهة حفظ حقوق المساهمين، والشفافية الكاملة في الاعلان عن كافة عمليات الشركة ونتائجها المالية. وفي رده عن امكان فتح الباب امام المستثمرين الأجانب لتملك نسبة من أسهم الشركة، أفاد المزروعي ان ذلك غير مستبعد في المستقبل، وهو أمر يستلزم موافقة جمعية عمومية غير عادية.