بين أصحاب النهضة الجديدة في السينما الفلسطينية برزت ميّ المصري من خلال افلام حملت الهم الإنساني في جعبتها. في البدايات شاركت زوجها السينمائي اللبناني جان شمعون في أفلام عدة قبل ان تبدأ الإخراج بنفسها في آخر ثمانينات القرن الفائت، فحملت أربعة افلام تواقيعها، لعل أبرزها"أحلام المنفى"الذي جال في مهرجانات عدة من حول العالم وحصد الجوائز أينما حل، فربح نحو 14 جائزة من مهرجانات دولية في فرنسا وايطاليا ومصر واسبانيا وسويسرا واليابان. أما الأفلام الأخرى فواحد عن السيدة حنان عشراوي "حنان عشراوي: امرأة في زمن التحدي"، وآخران هما"أحلام المنفى"عن اطفال فلسطين الذين يعيش بعضهم في نابلس وبعضهم الآخر في مخيمي الدهيشة في فلسطين وشاتيلا في لبنان، هما :"أطفال جبل النار"و"أطفال شاتيلا". تجربة ميّ المصري صدر عنها اخيراً كتاب للزميل فجر يعقوب بعنوان"مندوبة الأحلام سينما: مي المصري"، عن منشورات المؤسسة الثقافية في أبو ظبي. الكتاب عبارة عن حوار مطول تخللته نظرات نقدية وتأملات حول السينما الفلسطينية، القضية الفلسطينية، وسينما ميّ المصري بالذات. وقبل أن يبدأ فجر يعقوب نظرته الى سينما ميّ المصري، يستعين في المقدمة بمقال للناقد ابراهيم العريس تحدث فيه عن إعادة ترتيب الواقع في سينما ميّ المصري، فيقول:"... إن سينما مي المصري، في جوهرها، لا تسعى الى قول خطاب معين. إنها وبشيء من الاختصار، سينما تعيد ترتيب الواقع ? والى حد ما كما تفعل السينما الروائية، ولكن هنا مع"ممثلين"تطلب منهم المخرجة أن يلعبوا أدوارهم الحقيقية في الحياة. أما غاية مي المصري من تصوير هذا الواقع وقد اعيد ترتيبه فلا تبدو واضحة تماماً لأول وهلة. بل لعل المخرجة نفسها، حين تدخل بكاميراها عالماً او موضوعاً ما، لا تكون على علم مسبق بما تريده من ذلك العالم. إنها تكتشف. تسبر أغوار الأشخاص، من دون ان تتوقف طويلاً لتحليل الأحداث ... سينما تشبه مفهوم جويس ل"العمل قيد التحقق"، وشاعرية الواقع، وسينما تصور أناساً يلعبون السينما: تلك هي العناصر الثلاثة الأساسية التي يمكن رصدها في السينما التي حققتها مي المصري، منفردة، حتى الآن".... إذاً بعد هذه المقدمة للناقد ابراهيم العريس، يبدأ فجر يعقوب كتابه فيقسمه الى فصول تحمل عناوين ذات دلالة. شاعرية بعضها قد تتناقض مع ما يفترض في واقعية سينما ميّ المصري. غير ان هذه الواقعية خادعة. إذ إذا رأى المرء أفلام ميّ، من خلال كتاب فجر يعقوب، سيراها من منظور آخر، سيكتشف شاعرية لها كانت مخفية بعض الشيء. وتؤكد ميّ ذلك في صفحات هذا الكتاب، إذ تقول:"اعتبر الواقع مليئاً بالشعر والروايات، ومليئاً بالتجارب الإنسانية العميقة. ومن هنا السينما الروائية الفلسطينية تستوحي الكثير من هذا الواقع الفني! حين تُسأل ميّ عن الكتاب، يحمر وجهها تواضعاً وخجلاً... لكن من الواضح خلف هذا الاحمرار أن ثمة نوعاً من الرضى، عن هذا التقويم لتجربة صار عمرها الآن اكثر من ربع قرن. وإذ تتأمل في هذه المسافة الزمنية تصعق وتقول:"أوف.. كل هذا الزمن؟". لكن ميّ تعرف، وهذا ما يقوله لنا الكتاب... أن السينما لا تعترف بالزمن العادي. لها زمنها الخاص... خصوصاً إذا كانت من نوع سينما ميّ المصري.. التي تتابع الاحداث الآنية لتحولها الى ديمومة لا تغيب.