لا هوية للرصاص... هنيئاً لأوباما شعبيته في إسرائيل. أي فارق بين قتل «أشباح الفتنة» في سورية المدنيين منذ تحولت هوية المواطن الى «عميل»، وقصف المتظاهرين في صنعاء بالمدفعية لأنهم مشاكسون ل «الشرعية»... وقتل إسرائيل الفلسطينيين منذ ما قبل 1948، وسحق إنسانيتهم لأنهم «لا يريدون السلام» بشروطها؟ لا هوية للرصاص، «اكتشفها» الشباب العربي منذ أدرك في ربيع الثورات أن أجيالاً أُهدِرت طاقاتها وغُيِّبت أصواتها، وأُذِلّت على مقصلة التواطؤ الكبير، بين سلطات «وطنية» استباحت كل شيء باسم فلسطين ومعركة انتزاعها من مخالب العدو، وعدو مارس باقتدار وعلى مدى عقود، لعبة ابتزاز الأنظمة العربية... قايض التعايش مع شرعيات كثير منها، بكسر إرادة التوحد، بإرغام الجميع على قبول دور المتفرج على أكبر عملية سطو في التاريخ. ثورات ربيع العرب، حتى حين تستنجد بالعالم وبالغرب لحماية المدنيين من جنون آلة القتل «الوطنية»، لا يصيبها عمى الألوان إزاء تواطؤ الغرب المُدافع الآن عن حرياتنا، مع إسرائيل التي تسحق حرية الفلسطيني وتحطّم إنسانيته، تماماً كما تفعل أنظمة عربية «وطنية» مع «رعاياها». وأما أمّ الفضائح الأميركية، بعد وعود الرئيس باراك أوباما بإنصاف شعب فلسطين، فهي تفضيله ضمان تعبيده طريقه الى الولاية الثانية، على هذا الإنصاف الذي تبدد حين وقف أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مذكِّراً العالم والفلسطينيين ب «المعاناة الطويلة» لليهود، لكأن المناسبة هي رعاية طلبهم إعلان دولة يهودية، لإحباط طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين. كانت تلك إهانة من أوباما للسلطة الفلسطينية بل لمعاناة الفلسطينيين، الذين ظنوا أن دفاعه عن حقوق الإنسان العربي، سيمدد رياح الربيع لتُسقِط حصانة الاستثناء الإسرائيلي. وإن كان «هنيئاً» لأوباما بشعبيته الناهضة لدى يهود إسرائيل، لعلها تخفف شيئاً من عبء معركته الانتخابية، فغباء الأميركي الذي حاول عبثاً كشف «لغز» لماذا يكرهونه في المنطقة، أنه بتبريره الابتزاز الإسرائيلي، يجدد شباب التطرف والأصوليات... إنما هذه المرة في حقبة ربيع الثورات التي إذا استقرت بلا استبداد أو تقاتل، تحولت أكبر خطر على إسرائيل اليهودية. مكمن الخطر للعرب، هو ما يغذيه جهل أوباما وأنانيته. وحتى بافتراض النفخ في شرايين الأصوليات المنتعشة، لتصبح سريعاً أول خصم للتعدديات والحريات، فذاك يحيل الشبهات على واشنطن والغرب كله، بالتخطيط لمنع «الربيع العربي» من محاصرة إسرائيل... بعد التفرغ من اقتلاع الاستبداد. في أميركا، ربما المطلوب البحث عن خريطة قوى جديدة، تحصّن الدولة العبرية التي صمدت عقوداً بفضل غباء الاستبداد العربي، وهو ما أن استنفد «استهلاك» فلسطين حتى ابتز المواطن بمقايضة بين الرغيف وصوته. سقطت المقايضة، بدأت حقبة «مبهمة» لإسرائيل، كما وصفها أوباما، فيما كان نتانياهو يلتقط فرصة الخطاب «المشرّف» للرئيس الأميركي أمام الجمعية العامة، فلا تتأخر جرعة كبيرة من الاستيطان، في كأس «الفيتو» الأميركي على الدولة الفلسطينية المستقلة. ...ويسألوننا لماذا نكرههم! أمّ الفضائح للولايات المتحدة أن تدوِّل ملف حقوق الإنسان، فيما تميّز بين حقوق الشعوب. وإن كان المثال الإسرائيلي «متواضعاً» كلما تذرّع الأميركي بتمرد الدولة العبرية على رغباته وديبلوماسيته، فمثال دفاع واشنطن عن حقوق أهل التيبت، لا يترك للفلسطيني أملاً بمزيد من الانتظار، ولا يحصّنه من طلاق نهائي مع السياسة. لا هوية للرصاص، ربما تدركها أيضاً واشنطن «الخائبة» بقفزة الاستيطان التي تلت مرارات أوباما في الجمعية العامة، حين بدا كمن يتلو فعل ندامة على خطابه في القاهرة، بل يقزّم الأممالمتحدة لأن قراراتها «لا تصنع سلاماً». لا طريق مختصراً للسلام، يراه الرئيس المفجوع ب «معاناة اليهود الطويلة»، لكأنه يدعو الفلسطينيين الى تحمّل عقود أخرى من الاستبداد الإسرائيلي. لا هوية للطغيان، والخطر على ربيع العرب، لم يعد مصدره يتيماً. أبوه لصوص الثورات في الداخل، وأمه مكاييل النفاق الغربي الأميركي. يستغربون لماذا نكرههم، فهل نستغرب طوفاناً آخر من التطرف؟