تنتاب الرجل رهبة قبل أن يدسّ كفّه في فم وجه التمثال ذي العيون الجاحظة. أن تسلّم كفّ يدك الى جوف مظلم لا تعرف مداه ولا"امكاناته"، أمر قد يحمل من المخاطرة ما يحمله تسليم رقبتك لحلاق لم يسبق لك أن جرّبته من قبل. لكنّ تجربة"العرّافة الالكترونية"، كما يحلو لصنّاعها أن يسمّوها، قد"تستأهل هذه المخاطرة الطريفة"برأي الرجل الذي كان يتجوّل في معرض"الصناعات الترفيهية"في دبي، قبل أن يستوقفه نداء مسجّل يغريه بالتقدّم لمعرفة ما سيكون عليه حاله مستقبلاً في الصحة والمال وقبل ذلك الحب! بضعة دراهم تساوي دولاراً أميركياً يرمي بها في ثقب آخر في الماكينة. العيون الجاحظة تلمع كأن الدراهم اكسير الحياة الذي بعثها من سبات عتيق. ثوان معدودة، ما على الرجل خلالها الا أن يقف ساكناً يراقب الخطوط الضوئية الحمر التي كانت تتلاعب في صورة الكف الالكترونية كدماء يتلاعب تدفقها في الشرايين، وستظهر النتيجة. الطالع الالكتروني لا يشبه ذلك الذي تقوله العرافات"التقليديات"، ذوات الوشم على الذقن والكحل حول العيون."دو ويت"أو"نات دو ويت"، أي"افعلها"أو"لا تفعلها"، تقول"العرافة الالكترونية"لمن يلجأ اليها، محرضة اياه على التفاؤل بالمستقبل والاقدام عليه بقلب جريء، أو الانكفاء"والمشي جنب الحائط"! تريد الشركة الايطالية بيع عرافتها الايطالية الصنع بمبلغ يصل الى عشرة آلاف دولار"والرقم قابل للتفاوض. لكن هذه العرافة ستحقق الكثير من المكاسب لمقتنيها. ففي روما، حيث تجدها في الشوارع والمطاعم ومناطق الألعاب، يقف الناس طوابير ليعرفوا كم هو طويل خط الثروة لديهم أو الصحة أو الحب"! مبلغ كبير قد يجاوز كلفة"التعاقد"مع عرافة حقيقية من لحم ودم، لا يكلّف"استئجارها"أكثر من خيمة منصوبة في مكان عام أو حتى طاولة لا يتجاوز حجمها حجم الطبلية؟" نعم، ولكن على المدى الطويل المكسب متحقق. فالعرافة الالكترونية لا تتعب ولا تتمرد على صاحبها". اذا كانت لا تتعب، فهل هي أيضاً لا تكذب؟ يكشف المندوب أن كلام العرافة الالكترونية لا يستند الى معايير علمية لها علاقة، مثلاً، بضغط الدم أو ترتيب عروق الكف:"في الواقع، هي بمثابة لعبة هدفها تسلية الناس". يقرأ الرجل بتمعّن الورقة الصغيرة التي لفظتها"العرافة". يبتسم. خط الحب أطول من خط الثروة. يرمي بالورقة جانباً ويمضي كأنه يتمتم:"فعلاً، كذبت العرافات ولو صدقن.. حتى لو كنّ الكترونيات"!