لو اتبعت فرنسا خطتها لرقمنة كتبها لكانت ثقافتها الأكثر حضوراً على الشبكة. الغضب الذي يثيره في وسط باريسي صغير، قرار"غوغل"رقمنة ملايين الكتب وتقديمها مجاناً، لكان يبدو سخيفاً لو لم يكن صورة عن الأفق الضيق لمن يسمّون خطأ"نخبتنا"، ولو لم يكن واحداً من المؤشرات إلى هامشية فرنسا في التسارع المدهش للعولمة. فبعد سنوات على إنشاء وسيلة البحث الأكثر فاعلية في العالم، تعلن المؤسسة الكاليفورنية جعل نحو 50 مليون كتاب في المتناول مجاناً. والمصادر التي تأتي منها تلك الكتب هي، بداية، مكتبات ثلاث جامعات أميركية هارفارد وستانفورد وميشيغن، والمكتبة العامة في نيويورك، ومكتبة بودلي الملحقة بجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة. سيكون في الإمكان مراجعة تلك الكتب، ولكن لن يسمح بطباعتها. هذا المشروع الذي تبلغ كلفته 200 مليون دولار، تموله مؤسسة"غوغل". وستعطي نسخة رقمية عن كل كتاب للمكتبة الأصل لتنشره على موقعها الخاص على الإنترنت، وربما تسمح باستنساخه. عندما اقترحت"غوغل"على مكتبات غير أنغلوفونية، وخصوصاً الفرنسية، الانضمام إلى المشروع، اعتبر البعض أن في الأمر فضيحة: هذه أميركا تستأثر بحق تصنيف الآداب والعلوم وتعطي الأولوية والامتياز للكتاب الأنغلوساكسونيين. وهذا مأخذ تافه. وهو تافه لأن لا شيء، أولاً، كان يمنع الأوروبيين، وتحديداً فرنسا، من القيام بخطوة مماثلة. ففي العام 1988، أي قبل ظهور كلمة إنترنت، ولدت في فرنسا فكرة رقمنة الكتب، ووضعها في متناول القراء مجاناً عبر الكومبيوتر. وبدلاً من تشييد مبنى بدعم من المكتبة الوطنية الفرنسية بلغت تكلفته أكثر من بليون يورو، فلو أبقي على الخطة الأولى، وصُرف مبلغ 300 مليون يورو المرصودة لرقمنة الكتب، لكانت فرنسا اليوم بلد الثقافة الأكثر حضوراً في شبكة الإنترنت. ثم أن الاعتقاد أن"غوغل"تستطيع أو تريد تصنيف الثقافات، نابع من عدم فهم الإنترنت ودورها. فمحركات البحث، باللغتين الأسبانية والصينية، باتت تتفوق على المحركات الأنغلوفونية. ولو قررنا اليوم بذكاء وعملنا على رقمنة الثقافة الفرنكوفونية في سرعة كبيرة، وإتاحتها على الشبكة عبر جميع محركات البحث، بما فيها"غوغل"، لسجلناها في شبكة المعارف، من دون الخوف من الانحلال في تراتبية التصنيف. والشبكة ليست تراتبية. وأخيراً، لأن العالم يتغير، وما حصل للموسيقى سيحصل للآداب، لا مفر من مجانية الأفكار. والمؤلفون سيحصّلون حقوقهم. والمكتبة ستبتكر لنفسها دوراً جديداً. والصحف ستكون هناك للمساعدة على التفريق بين ما هو جوهري وما هو ثانوي. التفريق كلمة هي أكيد من أجمل كلمات اللغة الفرنسية. جاك أتالي،"الاكسبرس"الفرنسية في 14 مارس أذار 2005.