أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثورة اصلاحية داخلية هي الاولى من نوعها منذ ال"بيريسترويكا"التي حققها الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف أواخر الثمانينات من القرن الماضي. وجاءت عشية سفره في جولة شرق اوسطية تشمل مصر واسرائيل والاراضي الفلسطينية. راجع ص 6 وعلى رغم تحديد بوتين اهداف تلك"الثورة"بالتخلص من سيطرة الجهاز البيروقراطي في الدولة وتعزيز الديموقراطية ودفع الاصلاحات السياسية، فإن خطوته اعتبرت رداً مباشراً على الضغوط المتنامية التي مارسها الغرب على روسيا اخيراً، وتجسدت في سلسلة ثورات ديموقراطية في الدول المجاورة جورجيا واوكرانيا وقيرغيزستان، اضافة الى تلويح وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس بإطاحة النظام في بيلاروسيا المجاورة. وتضمن الخطاب السنوي لبوتين عن حال الاتحاد الروسي امام اعضاء مجلسي البرلمان: الدوما النواب والشيوخ في الكرملين امس، اكثر من رسالة على الصعيدين الداخلي والخارجي، رغم انه لم يتطرق بكلمة واحدة الى ملفات السياسة الدولية. واستخدم بوتين في الخطاب عبارات حماسية استعار فيها شعارات الاحزاب القومية، متعمداً التركيز على"مجد الأمة"واسهاماتها في التاريخ البشري. وشدد على ان مكانة"الأمة الروسية الحرة في العالم تتحدد بناء على درجة قوتها ونجاحها". وقال بوتين ان"انهيار الاتحاد السوفياتي كان اكبر كارثة جيوسياسية في القرن. وبالنسبة للشعب الروسي شكل ذلك مأساة حقيقية. ان عشرات الالوف من مواطنينا وجدوا انفسهم خارج الاراضي الروسية"، في اشارة الى استقلال الجمهوريات السوفياتية بعد سقوط الاتحاد العام 1991. لكن اللهجة المتشددة ترافقت مع رسائل واضحة بالتزام موسكو نهج الديموقراطية ومراعاة حقوق الانسان وحماية حرية الكلمة والتعبير لكل القوى السياسية والتيارات المختلفة، الامر الذي شغل حيزاً كبيراً من خطابه على مدى 45 دقيقة. وأكد اكثر من مرة ان تعزيز الديموقراطية في البلاد"خيار استراتيجي قرره الشعب الروسي بنفسه ولا تراجع عنه". وفي هذا الاطار ركز بوتين الذي قوطعت كلمته بالتصفيق نحو عشرين مرة على"أوروبية المجتمع الروسي"ووحدة المعايير والمبادئ التي تجمع روسيا والغرب، في ما بدا انه احتجاج على معاملة روسيا وكأنها"طائر يغرد خارج السرب"، بحسب تعبير احد البرلمانيين الروس. وغابت ملفات السياسة الدولية للمرة الأولى عن الخطاب السنوي، رغم اشارة سريعة الى علاقات روسيا مع جيرانها في دول الرابطة المستقلة، تمثلت بالتشديد على الرغبة في تعزيز العلاقات مع دول الرابطة و"احترام تجارب جيراننا وتبادل الخبرات معهم"، متجاوزاً بذلك"عقدة الثورات الملونة"التي اجتاحت عدداً من دول الرابطة وأثارت مخاوف من انتقالها الى روسيا. اذ شدد على ان"حماية مصالح مواطنينا ليست موضوعاً قابلاً للتفاوض مع أحد". وشكلت عملية تشديد الحرب على الارهاب واحدة من حلقات الثورة التي اعلنها الرئيس الروسي، اذ مع تأكيده مواصلة مكافحة التهديد الذي قال ان خطره"ما زال كبيراً جداً على روسيا"، شدد في الوقت نفسه على اهمية التوصل الى حل للمشكلات الاجتماعية - الاقتصادية المتعلقة بهذا الملف.