سواء ثبّت مجلس الشيوخ الأميركي جون بولتون سفيراً للولايات المتحدة لدى الأممالمتحدة أو لم يثبته، فمثول هذا المتطرف الليكودي أمام لجنة العلاقات الخارجية انتهى كمحاكمة أكثر منه جلسة سماع، وكان الحكم ان بولتون شرس، تصادمي، عديم الاحساس. هذه الصفات أفضل ما في بولتون، فالمشكلة مع الرجل سياسته لا أخلاقه، غير انني أريد أن أسجل من البداية أن ما سأعرض على القارئ هو ما تمخضت عنه مناقشات لجنة العلاقات الخارجية لتثبيت بولتون سفيراً، وكان رئيس اللجنة السناتور ريتشارد لوغار، وهو جمهوري من انديانا، قال ان سمعة بولتون هي الشراسة والتصادمية وانعدام الاحساس، والرئيس بوش يستطيع أن يدافع عن بولتون كما يشاء، وان يصر على ترشيحه، الا انه لن يغيّر صورته. الجمهوريون في اللجنة عشرة أعضاء مقابل ثمانية ديموقراطيين، وكان يفترض في المناقشات التي بدأت في السابع من هذا الشهر ان تستمر يومين يثبّت في نهايتهما بولتون. الا ان سيل المعلومات السلبية جعل اللجنة تمدد المناقشات أسبوعاً آخر، وفي النهاية قررت اعطاء نفسها ثلاثة أسابيع اضافية لدرس التهم قبل أن تعود الى الاجتماع. عشية جلسات اللجنة كان الحديث عن موقف السناتور لنكولن تشافي، وهو جمهوري لم يبد حماسة كبيرة لبولتون، مما يعني ان تصويته مع الديموقراطيين سيمنع بولتون من الفوز بالوظيفة، لأن اللجنة ستنقسم عند ذلك مناصفة بين المؤيدين والمعارضين. غير ان الذي حدث بعد ذلك كان على طريقة"انتظرناهم من الشرق فجاؤوا من الغرب"، لأن الذي اعترض في الأسبوع الثاني كان السناتور جورج فويتوفيتش، وهذا جمهوري من أوهايو، قال ان ضميره وخزه وهو في طريقه الى مقر اللجنة، وقرر أن ثمة حاجة الى مزيد من الوقت لدرس تهم جديدة ضد بولتون تراكمت أثناء عمله وكيل وزارة الخارجية لنزع السلاح. وأيد جمهوريان هما تشافي وتشك هاغل طلب فويتوفيتش فلم يملك السناتور لوغار غير القبول، لأنه لو أصر على التصويت لاعترضت غالبية على ترشيح بولتون، ولكان رفضه ضربة كبيرة لادارة بوش. وتبين بعد التأجيل ان الوزير السابق كولن باول أبدى تحفظاً على بولتون في اتصالات مع تشافي وهاغل. كتبت عن بولتون غير مرة ورأيي فيه انه اسرائيلي قبل أن يكون أميركياً، وداعية حرب وأحادية أميركية لخدمة اسرائيل، الا انني أعد القارئ بألا أعود الى شيء كتبته، وانما أغرف له من بحر المادة الجديدة ? القديمة المتوافرة من عمل اللجنة. جون بولتون جلس أمام أعضاء اللجنة وكذب عليهم بصفاقة لا يقدر عليها سوى أمثاله. وهو بعد سنوات عشر من مهاجمة الأممالمتحدة والتقليل من أهميتها واهانتها زعم انه سيسعى الى انجاح المنظمة العالمية لأن الولاياتالمتحدة ملتزمة بذلك، وقال انه سيعمل على اقامة علاقات وثيقة بين الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة، بل سيسعى الى تعزيز قدرة الأممالمتحدة على خدمة جميع الأعضاء. وعندما جاء من ذكّره بأنه قال سنة 1994 انه لو فقدت الأممالمتحدة عشرة طوابق من طوابقها الثمانية والثلاثين"لما كان هناك فارق أبداً"ردّ انه تحدث أمام اتحاد الفيدراليين العالميين محاولاً جذب انتباههم، وكان يقصد أنه لا توجد بيروقراطية في العالم لا يمكن خفضها وجعلها أكثر فعالية. وردت السناتورة بربارة بوكسر، وهي ديموقراطية من كاليفورنيا:"أنت لم تقل هذا، ان الترشيح يحيرني". السناتور جوزف بايدن، وهو ديموقراطي من ديلاوير، قاد الحملة ضد ترشيح بولتون، وسخر من الجمهوريين وهم يصرون على الترشيح قبل تغيير السناتور فويتوفيتش موقفه، وقال لهم: هل تريدون تسريع التصويت حتى لا تسمعوا ما لا تريدون؟ وهم سمعوا كثيراً حتى ان السناتور كريستوفر دود، وهو ديموقراطي من كونتكت، طالب بمحاكمة بولتون لتعدياته على موظفين أدنى منه في وزارة الخارجية. وسأعود الى هذه التعديات، غير انني أريد قبل ذلك أن أسجل رواية ميلودي تاونسل، وهي امرأة من تكساس، قادها سوء الحظ الى مواجهة مع بولتون تكشف مدى انحطاط أخلاقه. قالت تاونسل في رسالة الى لجنة العلاقات الخارجية ان بولتون كان محامي طرف في برنامج المساعدات الدولية الأميركية، وهي مثلت الطرف الآخر. وقامت مواجهة بينهما في فندق في موسكو، وقالت:"المستر بولتون طاردني في صالونات الفندق، ورمى أشياء عليّ. دس رسائل تهديد تحت باب غرفتي وتصرف كمجنون... وفي قرغيزستان بلغ مسؤولي المساعدة الأميركية انني موضع تحقيق قضائي وقد أسجن. وهذا غير صحيح أبداً. تصرفه معي سنة 1984 لا يغتفر، كان تصرفاً مَرَضياً". ووُجد من أكد وصف ميلودي تاونسل لما واجهت من"جحيم"مع بولتون. وقال كارل فورد، مساعد وزير الخارجية السابق للاستخبارات والأبحاث، ان بولتون"منتهك جماعي لنفوذه"، على طريقة"قاتل جماعي"، وانه"من ذلك النوع الذي يقبّل من فوقه ويركل من دونه". ويبدو ان الذين ركلوا كثيرون، فموطفو لجنة العلاقات الخارجية قالوا انهم أغرقوا برسائل عن انتهاكات بولتون ومخالفاته. وكنت عندما أعلن ترشيح بولتون للمنصب في آذار مارس قلت انه لا يصلح سفيراً، وأعطيت أسبابي، وزدت عليها ان شكله"غلط"فهو منتفخ، ويشبه حيوان البحر"والروس"بشنبه الهابط على فمه كشلال. وفوجئت بعد أكثر من شهر بمقال في"واشنطن بوست"كتبه روبن غيفان. وصف فيه بولتون بأنه يشبه"والروس", ولم يبق سوى أن نسمعه يغني أغنية البيتلز المشهورة في حينها"أنا والروس كوكوتشو". غير ان مقال غيفان تناول شكل بولتون من زاوية لم أطرقها، فهو اعتبر ثيابه التي لا تعرف الكي، وقميصه الضيق حول عنقه، وربطة العنق الى جانب واحد تحت الياقة مع الشعر الهابط على وجهه، وكأنها اهانة مقصودة للجنة وأعضائها. ولاحظ الكاتب ان صورة بولتون في الكتاب السنوي لجامعة يال في السبعينات أفضل هنداماً مما هو الآن، وهذا عجيب لأن بولتون لم يكن من الهيبيز في أيامهم، وأصبح مثلهم الآن. المشكلة ليست هندامه أو سوء أخلاقه، وانما سياسته المتطرفة، فهو يمثل اسرائيل، ويفيض بأحقاده على العرب والمسلمين، خصوصاً الفلسطينيين، وسأكمل غداً بشهادات أمام لجنة العلاقات الخارجية تظهر كيف سعى لتنفيذ سياسته على حساب الحقيقة، والموظفين الصغار حوله.