يمثل جون بولتون اليوم أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي التي تنظر في ترشيحه سفيراً للولايات المتحدة لدى الأممالمتحدة. اللجنة برئاسة السناتور ريتشارد لوغر وتضم عشرة اعضاء جمهوريين وثمانية ديموقراطيين، يفترض ان يصوتوا على أساس حزبي، ما يعني تثبيت بولتون سفيراً. الا ان السناتور لنكولن تشافي، وهو جمهوري من رود ايلاند، مشهور بأنه معتدل ويؤيد الاممالمتحدة بقوة أبدى تحفظاً ازاء ترشيح عدد معروف للمنظمة العالمية سفيراً فيها. وهو اذا صوت مع الديموقراطيين سيقسم اللجنة مناصفة، فيكون تسعة اعضاء مع الترشيح وتسعة ضدّه، ما يمنع وصول الترشيح الى مجلس الشيوخ بكامل اعضائه ويجمده. لن أغامر اليوم بترجيح نجاح بولتون او فشله، فمع ان السناتور تشافي استاء من ترشيحه، الا ان هذا السناتور الطري العود الذي يمثل اصغر ولاية أميركية تعرض لضغط كبير من وزيرة الخارجية الدكتورة كوندوليزا رايس التي قابلته مع بولتون. ولا أعرف ان كان السناتور تشافي سيقاوم الضغط، فالناطق باسمه ستيفن هوراهان صرح ان السناتور"يميل الى تأييد الترشيح ما لم تقع احداث غير متوقعة". وكانت اللجنة انقسمت على أساس حزبي عندما قبلت قبل أربع سنوات ترشيح بولتون وكيلاً لوزارة الخارجية مسؤولاً عن الحد من التسلّح. جون بولتون ليس من دون حلفاء في أوساط المحافظين الجدد واليمين الأميركي. وقد أيد خمسة وزراء خارجية سابقين ترشيحه، ولكن غاب عنهم وزيره كولن باول. وأيدت"ويكلي ستاندارد"، الناطقة بلسان المحافظين الجدد، الترشيح بقوة، وكذلك فعل فرانك غافني في"ناشونال ريفيو"، وهذا الاخير مثل بولتون تطرفاً واسرائيلية. غير ان بولتون يواجه اعداء أقوياء بسبب تطرفه السياسي ووقاحته وعجرفته في ابداء رأيه. وقد وقع 59 ديبلوماسياً أميركياً سابقاً رسالة تعارض ترشيحه أرسلت الى السناتور لوغار، كما ان هناك موقعاً الكترونياً يعارض الترشيح تحت شعار"أوقفوا بولتون"تدعمه منظمة"مواطنون من أجل حلول عالمية"التي تؤيد تعددية عالمية، بدل الأحادية التي يريدها أمثال بولتون. وقد أمطرت المنظمة السناتور تشافي برسائل تعارض ترشيح بولتون لتشجيعه على المعارضة. كما ان المنظمة تحاول اقناع عضو جمهوري آخر هو السناتور تشك هاغل بتغيير موقفه، وقد دفعت ثمن اعلانات تلفزيونية في ولايته نبراسكا، أملاً بحشد تأييد شعبي ضد الترشيح. جلسة لجنة العلاقات الخارجية ستكون حامية بغض النظر عن النتائج، فالأعضاء الديموقراطيون سيثيرون ماضي بولتون ومواقفه العدائية من الأممالمتحدة، وهناك شهود سيقدمون معلومات عن المرشح ومواقفه. كارل فورد، وهو موظف سابق في وزارة الخارجية، يقول ان بولتون حاول تهديد رجال الاستخبارات وابتزازهم، عندمت لم يقدموا أدلة تثبت مزاعمه الكاذبة عن أسلحة العراق وكوبا. وهناك عميلا استخبارات يزعمان ان بولتون حاول طردهما من عملهما لأنهما اختلفا معه على اسلحة العراق. اما كريستيان ويسترمان، وهو ايضاً من وزارة الخارجية، فيقول ان بولتون منعه من المشاركة في جلسات استخبارات لأنه عارضه. بولتون، كبقية أركان عصابة المحافظين الجدد في الادارة، عمل من أجل الحرب على العراق بغض النظر عن المعلومات، فالهدف كان خدمة اسرائيل وأمنها لا خدمة أميركا، وأحمل أمثاله المسؤولية عن قتل أكثر من مئة ألف عراقي وأكثر من 1600 أميركي في الحرب حتى الآن. وكنتُ سجلت أقوالاً ومواقف لرجل يريد تدمير الأممالمتحدة فيعين سفيراً فيها، ولا أحتاج الى تكرار ذلك، ولكن أقول انه اذا كان بولتون يعتقد ان الأممالمتحدة تضرّ بمصالح أميركا، وهو يحتقرها، فإن المنطق يقول انه لو كان شريفاً صادقاً لسحب ترشيحه. أما اذا كان غيّر مواقفه فمعنى ذلك انه انتهازي متذبذب، ولا يصلح لمنصب السفير. ما أخشى شخصياً هو انه بعد ان لعب بولتون دوره بنجاح في تدمير العراق سيسعى عبر منصبه في الأممالمتحدة الى دفع"بلاده"باتجاه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية. وهو كان قال يوماً"ان وجود برنامج للأسلحة البيولوجية في العراق لا يقبل النقاش". ويبدو انه لا يريد جدلاً حول ايران وما يزعم من محاولتها امتلاك أسلحة نووية، لذلك فعندما أعلنت وكالة الطاقة الذرية الدولية انها لم تجد دليلاً على برنامج نووي ايراني، قال بولتون"ان هذا يستحيل تصديقه". وموقفه من ايران وكوريا الشمالية هو رفض التفاوض معهما أو تقديم أي حوافز لهما لتغيير موقفهما، ما ترك بلاده خارج اللعبة الديبلوماسية. وبالنسبة الى ايران، فإن بريطانيا وفرنسا وألمانيا تفاوض، فيما الولاياتالمتحدة تتفرّج، وهو وضع غريب ساهم فيه رجل يريد للولايات المتحدة ان تقود العالم، وان تتصرف بمفردها، ثم يعمل لايجاد وضع يمنع ان يكون لها أي تأثير في مجرى الاحداث. شخصياً لا أعتبر تخريب المعاهدات الدولية انجازاً، وعندما كنتُ أراجع سجل بولتون في وزارة الخارجية لم أجد له أي إنجاز حقيقي الا اذا اعتبرنا معارضة معاهدة المنع الشامل للتجارب النووية إنجازاً. غير انني وجدت كذباً حول ليبيا وما كان عندها من برنامج نووي أو لم يكن. بولتون أيد بحماسة مبادرة الأمن ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل، وهذه تعطي الدول حق اعتراض شحنات المواد الممنوعة براً وبحراً وجواً. الا ان هذا الحق موجود من دون مبادرة أو معاهدة، فلا شيء يمنع مثل هذا الاعتراض. مع ذلك صُوّر اعتراض شحنة من العالم النووي الباكستاني عبدالقدير خان الى ليبيا على انها سبب قرار العقيد القذافي التخلي عن برنامجه النووي. غير ان الثابت قطعاً ان ليبيا بدأت التفاوض مع الولاياتالمتحدة قبل اعتراض الشحنة، ما يلغي"الانجاز"الوحيد المزعوم. ويبقى ان نرى اذا كان اعضاء لجنة الشؤون الخارجية سيرون بولتون على حقيقته، او يغلبون الولاء الحزبي على مصالح الاسرة الدولية، والولاياتالمتحدة نفسها.