النهار يولد من رحم الليل، حتى إذا مالت الشمس الى الأفول أخذ السواد يدب ببطء ليخلف النهار ليلٌ دامس. فإذا انصرم، شقّ الفجر طريقه ليخلف النهار الليل، وهكذا دواليك. لذا قالوا في تعاقب الليل والنهار"كر الجديدين". وفي التنزيل العزيز يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل. فسواد الليل، في الاقبال والادبار، يختلط بالبياض ويتحد ويتلاشى. والسواد والبياض ثنائية ليست ضدية. الليل وظائفه كثيرة أولها سمَر، فإذا انتصف سهرٌ، في الهزيع الأخير منه رقاد لترتاح الأجساد المتعبة من كد النهار. فيه تهدأ الخواطر، وتبوح الأنفس بما في الصدور، ويجمع شمل العشاق بعيداً من أعين الرقباء. الليل غموض وإبهام. وفي الأمثال"أمر دبر في ليل". فيه خبايا وأسرار. وجميل قول جبران:"سكن الليل وفي قلب السكون تختب الأسرار". وفي التنزيل العزيز وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا. الليل سكون تخرق صمته المطابع. الصحافة صناعة ليلية. النهار ألق يتبدى حين ترسل الشمس ذكاء خيوطها الذهبية آذنة بانقضاء الليل. النهار جلاء للعتمة، ووضوح وإبصار وإفهام. الصورة بالأسود والأبيض أشد تأثيراً في المتلقي من الصورة الملونة. النهار والليل لهما مواقيت وآجال ووظائف. والآية الكريمة تدل الى ذلك:"والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون. فسبحان من خلق وصور وقدر آناء الليل وأطراف النهار. طرابلس ، محمد زهري حجازي عضو اتحاد الكتّاب اللبنانيين.