اعتبر السودان، امس الجمعة، ان مجلس الأمن الدولي قوض الجهود الرامية الى احلال السلام في اقليم دارفور بعدما وافق على قرار باحالة المتهمين بارتكاب جرائم حرب في الاقليم النائي على المحكمة الجنائية الدولية. وطلبت المحكمة أمس من مجلس الأمن تزويدها باسماء المتهمين بالفظاعات في دارفور لبدء التحقيق رسمياً واحالتهم على المحاكمة. وقال وزير الدولة السوداني للشؤون الخارجية نجيب الخير عبدالوهاب ل"رويترز"انه يعتقد ان القرار غير منصف وغير حكيم ويتسم بضيق الأفق. وأضاف انه يقوض مساعي الحكومة الى اقرار العدل في دارفور من خلال المصالحة. ووافق مجلس الأمن في ساعة متقدمة ليل الخميس بغالبية 11 صوتاً من دون أي اعتراض، وامتناع اربعة اعضاء عن التصويت - الجزائر والبرازيل والصين والولاياتالمتحدة- على احالة قائمة مغلقة تضم 51 شخصاً من المشتبه في ارتكابهم جرائم في حق الانسانية في دارفور على المحكمة الجنائية الدولية وذلك بعد مجادلات استمرت حتى اللحظة الاخيرة للسماح باعفاء المواطنين الاميركيين من تبعات القرار. وهذه هي المرة الأولى التي يحيل فيها مجلس الأمن مثل تلك القضايا على المحكمة الجنائية الدولية. وجاء تبني القرار بعد تراجع اميركا عن تهديدها باستخدام حق النقض الفيتو بعد الاصرار لاسابيع على انها سترفض أي خطوة تضفي الشرعية على المحكمة الجنائية الدولية. والدول ال11 التي وافقت على القرار هي فرنساوبريطانيا والدنمرك واليونان وتنزانيا وبنين والارجنتين ورومانيا وهي الدول التي صدقت على معاهدة انشاء المحكمة بالاضافة الى روسيا واليابان والفيليبين. والدول الأربع التي امتنعت عن التصويت هي الولاياتالمتحدة والصين والجزائر التي اعترضت على اي محاكمات دولية للسودانيين والبرازيل وهي مؤيد قوي للمحكمة لكنها اعترضت على الاعفاءات التي طلبتها الولاياتالمتحدة على اساس انها تتعارض مع الوضع القانوني للمحكمة الجنائية الدولية. وكانت الحكومة الاميركية في موقف صعب يحتم عليها إما ان تقبل على مضض بعض مخاوفها تجاه المحكمة الجنائية الدولية او أن تستخدم حق النقض لاحباط مشروع القرار الذي سيحاكم المتهمين باقتراف عمليات سلب وقتل واغتصاب في دارفور والتي وصفتها واشنطن نفسها بأنها ابادة جماعية. وقالت آن باترسون سفيرة الولاياتالمتحدة في الاممالمتحدة بالنيابة:"قررنا عدم الاعتراض على القرار بسبب الحاجة لأن يعمل المجتمع الدولي معا لإنهاء مناخ الافلات من العقاب في دارفور". لكنها قالت للمجلس:"لم نتخل على اعتراضاتنا القاطعة والقائمة منذ فترة طويلة ومخاوفنا في شأن المحكمة الجنائية الدولية ونواصل التأكيد عليها فعلاً". وساور فرنسا التي اعدت مسودة الاجراء الأصلي قلق في شأن هذه الصياغة ولذلك تولت بريطانيا رعاية مشروع القرار. وسيمنع الاعفاء المحكمة الجنائية الدولية او محاكم من اي دولة اخرى من محاكمة مواطن اميركي او مواطن من اي دولة اخرى في السودان ليست طرفاً في المحكمة. وقال الفاتح عروة سفير السودان بالأممالمتحدة ان هذا القرار يثبت كيفية استخدام المحكمة الجنائية الدولية كسلاح ضد الدول الفقيرة و"ان اصحاب العضلات بامكانهم الحصول على اي اعفاءات يريدونها". ووصفت فرنساوبريطانيا القرار بأنه"تاريخي"فيما عبر الامين العام للامم المتحدة كوفي انان عن ارتياحه. وقال السفير الفرنسي جان مارك دو لاسابليير بعد التصويت"كنت اعلم اننا متحدين حول الهدف نفسه: مكافحة الافلات من العقاب". وقال عبدالوهاب ان الحكومة السودانية على رغم ذلك ستدرس القرار وتتخذ"الاجراء المناسب"في شأن التنفيذ. ورفض ان يذكر ما اذا كانت الحكومة ترفضه او تقبله. واعتبر الوزير أيضاً ان قرار مجلس الأمن يشجع متمردي دارفور على الاستمرار في مقاطعة مفاوضات ابوجا الجارية برعاية الاتحاد الافريقي والمعلقة حالياً. وقال لوكالة"فرانس برس"ان"القرار يعطي مؤشرات خاطئة للمتمردين بعدم انتهاج طريق التفاوض"و"يزيد في تعقيد الوضع المتأزم اصلاً". وأعلن السودان للمرة الأولى في وقت سابق من الاسبوع الجاري انه اعتقل 15 مسؤولاً من الجيش وقوات الأمن في جرائم تشمل الاغتصاب وقتل المدنيين واحراق القرى. ولكن محللين قالوا ان الاجراء ضئيل جداً ومتأخر جداً بالنسبة الى مجلس الأمن الذي عزز حظراً على التسليح مفروضاً على السودان كما فرض حظراً على السفر وتجميد أموال اولئك الذين ينتهكون وقف اطلاق النار الهش في دارفور. وتقول الأممالمتحدة ان السودان لم يفعل الكثير لنزع اسلحة الميليشيات العربية المتهمة بحملة واسعة النطاق من الاغتصاب والقتل واحراق قرى السكان الافارقة في دارفور خلال اكثر من عامين من التمرد من قبل جماعات غير عربية. ويقول المتمردون ان الحكومة تميز ضدهم لمصلحة القبائل العربية. ترحيب المتمردين ورحّب المتمردون فوراً بقرار مجلس الأمن. وقال عبدالواحد محمد النور زعيم"جيش تحرير السودان"، وهو الجماعة الرئيسية للمتمردين، ل"رويترز"من اسمرا ان"هذا يوم كبير للعدالة في بلدنا. أنا شخصياً اذا كان اسمي ضمن تلك القائمة او أي عضو آخر في حركتنا فإننا مستعدون للذهاب لأننا لا نقاتل الا من اجل العدالة". وتضم القائمة مسؤولين كباراً في الحكومة والجيش السودانيين وزعماء ميليشيا عربية وبعض زعماء المتمردين وقادة جيوش أجانب، لكنها ظلت مغلقة في مكتب الأمين العام للامم المتحدة الى ان يقرر مجلس الأمن المحكمة التي سيحالون عليها. واضاف النور ان"موقفنا واضح، وهو العدل قبل السلام". وقال ان من الضروري ان تبدأ المحكمة في المحاكمات قبل استئناف محادثات السلام. وقال ايضاً انه لا يريد وساطة الاتحاد الافريقي في المحادثات بعد ذلك لكنه فضل قيام الأممالمتحدة بدور رئيسي وتغيير مكان المحادثات اما الى جنوب افريقيا او السنغال او اريتريا التي تستضيف المتمردين وعلاقاتها متوترة مع السودان. واضاف"الاتحاد الافريقي فقد صدقيته تماماً"، مشيراً الى اقتراح نيجيريا في الأممالمتحدة بأن تحاكم محكمة افريقية المتهمين بجرائم حرب في دارفور بدل المحكمة الجنائية الدولية. ورحب محجوب حسين الناطق باسم حركة تحرير في لندن بقرار مجلس الأمن، وقال"ان القرار انتصار للإنسانية وحركة تحرير السودان في دارفور". واعتبر القرار"محاكمة للمشروع الحضاري السوداني باعتباره مشروعاً لا انسانياً ولا اخلاقياً"، مؤكداً انه"يؤمن على دور مجلس الأمن الدولي لاقرار السلم والأمن الدوليين في دارفور وكل ارجاء المعمورة". وناشدت الحركة"مجلس الأمن فوراً تشكيل المحكمة الدولية واصدار أمر قبض دولي قضائي تجاه المجرمين للمثول امام العدالة الدولية". ورحلت جماعة المتمردين الرئيسية الأخرى"حركة العدالة والمساواة"بالقرار، موضحة انه سيسهم في شكل ايجابي في ايجاد حل سياسي للصراع بعد سلسلة من محادثات السلام الفاشلة التي عقدت في العاصمة النيجيرية ابوجا تحت رعاية الاتحاد الافريقي. وقال ناطق باسم الحركة:"نهنيء اعضاء مجلس الأمن والشعب السوداني على هذا القرار". واضاف ان الحركة ستكون أكثر من مستعدة للعودة الى المحادثات في ابوجا الآن. وقال ايضا ان الحركة ستكون مستعدة لإرسال اي عضو فيها الى المحكمة الجنائية الدولية اذا كان متهماً. وفي امستردام، وصفت جماعات لحقوق الانسان إحالة مجلس الأمن جرائم الحرب في دارفور على المحكمة الجنائية الدولية بأنه حدث تاريخي، لكنها انتقدت اعفاء المواطنين الأميركيين من ذلك. ووصفت جماعة"مواطنون من أجل حلول عالمية"وهي جماعة شعبية اميركية تروج لإقامة مؤسسات ديموقراطية عالمية، تحرك مجلس الأمن وهو الأول من نوعه منذ اقامة المحكمة في عام 2002 بأنه"اول تحرك تاريخي للقانون الدولي". وقالت الجماعة في بيان"انه يبرهن على ان المحكمة الجنائية الدولية هي الكيان الشرعي الدولي الوحيد القادر على التعامل مع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية عندما تفشل الدول في القيام بذلك". ووصفت منظمة"هيومان رايتس ووتش"المعنية بحقوق الإنسان ومقرها نيويورك و"منظمة العفو الدولية"ومقرها لندن التحرك بأنه"تاريخي"لكنهما انتقدتا الاعفاء الذي يمنع المحكمة الجنائية الدولية من ملاحقة المواطنين الأميركيين واولئك الذين ينتمون الى أي دولة في السودان لا تُعد طرفاً في المحكمة. ووصفت ايفون تيرلنجن من منظمة العفو الدولية هذا الاعفاء بأنه"غير مقبول بالمرة"، وقالت انه يجب استبعاده من كل قرارات مجلس الأمن المستقبلية. وقالت"انه يخلق معايير مزدوجة للعدالة ويتعارض مع ميثاق الاممالمتحدة واتفاقية روما والقوانين الدولية". وقالت منظمة"مواطنون من اجل حقوق عالمية"ان ما يقدر بعشرين الف شخص قُتلوا في دارفور خلال شهرين من"التشاحن"في شأن احالة القضايا على مجلس الأمن بسبب معارضة الولاياتالمتحدة للمحكمة الجنائية الدولية. وقالت هيذر هاملتون نائبة رئيس المنظمة:"الولاياتالمتحدة بحاجة الى اعادة تقييم سياستها نحو المحكمة الجنائية الدولية لضمان اعطاء الحياة الانسانية اولوية على الاعتراضات السياسية".