ربما يتفاجأ الزائر الذي يأتي الى هذه البقعة من العالم، والتي تدعى بالجبل الأسود أو"مونتينيغرو"، بما منحها الله من جمال قد لا يتكرر في مكان آخر. فهي قطعة نادرة، وعبارة عن جزر تطوف بين الجبال وتحيطها المياه من جوانبها المختلفة، بينما تظلل الغابات الكثيفة بعضاً من أطرافها. في المنطقة الجبلية الخضراء، المطلة على البحر الادرياتيكي يعيش الناس وكأنهم جزء من هذه الطبيعة، فهم يتنقلون بين جبالها وغاباتها بحيواناتهم الأليفة على شكل جماعات مألوفة للغاية، تعودت على حركة السياح غير المنقطعة، بل وعقدت ثمة صداقات مع من يتردد على المنطقة سنوياً. يحملون لك الجبنة والزيت وأنواع الخضار والفواكه المتدلية من تلك الأشجار التي تنتشر أينما ذهبت، نساء ورجال منشغلون بالعمل، ولكنهم لا يألون جهداً في تقديم المساعدة لجحافل السياح القادمين من أصقاع الأرض البعيدة، وكأنهم يعرفونهم عن قرب. مناطق اعتبرتها اليونسكو جزءاً من ذخيرة البشرية، خصوصاً منطقة"أجرنة هوري"التي تعتبر من أرقى المناطق الأوروبية نقاء لهوائها العليل وطبيعتها الصحية ومياهها الرائقة. وإذا كنت حقاً تبحث عن المتعة والراحة، فعليك الذهاب في فصلي الربيع والصيف الى"يادران اوخورفاشكو"، وجرّب أن تتجه نحو نهر"زلوريجيتسه"أي"نهر الشر"، ولكنك لن تجد أي شر هناك، وإنما ستلتقي بروعة لا تقابلها روعة لمثل هذه الطبيعة الخلابة، فبعد الجسر يبدأ الطريق الطويل، تمر خلاله ببحيرة للسباحة، وتستطيع أن تتوقف عندها بعض الوقت أو أن تسبح بمياهها الصافية أو أن تستمر في طريقك حتى توافيك منارة جامع البلدة الصغيرة الأولى التي تقع بعد الجسر. ومنها تبدأ صفحة الجبال المغطاة بالغابات الخضراء تملأ الأنظار من كل جانب، وتكاد هذه الجبال أن تناطح الغيوم العالية. واذا قارنت بين حجمك وحجم تلك الجبال الشاهقة التي تحيطك من كل جانب على مدى النظر، فستجد نفسك عبارة عن نقطة في المحيط. كثيرون يعرفون"الجبل الأسود"كمنطقة سياحية جذابة، لكنهم حين يأتون الى هذه المنطقة لا بد أن يتفاجأوا بعنف الجمال الطبيعي، فجزيرة"سفيتي ستيفان"الجبلية التي لا تبعد كثيراً عن جزيرة"بودفا"تعتبر واحدة من أرقى المناطق السياحية في العالم. وكانت تضم قرية لصيادي الأسماك منذ القرن الخامس عشر، لكنها تطورت لتصبح منطقة سياحية من الطراز الأول، تضم مجمعات عالمية لسلسلة من الفنادق الراقية، وهي في الوقت الحاضر أهم منطقة تشهد زيارة الآلاف من السياح سنوياً. سواحل رملية كأنها مفروشة بحبات الذهب اللماع، تحيط مجموعة من الجزر التي تسبح في المياه، وحولها تتصاعد قمم الجبال الشاهقة. وعلى هذه السواحل تسقط أشعة الشمس الناصعة في مواسم الصيف السياحية، فيجد الزوار فرصتهم للانبطاح على رمالها والتمتع بهذه الاشعة واكتساب أجسامهم للون البرونزي. في هذه المناطق تستطيع أن تستأجر غرفة مع عائلة، أو شقة مفروشة مستقلة، أو تختار أي درجة من الفنادق المختلفة. أما الاسعار فهي متفاوتة حسب نوعية السكن، ولكن بإمكانك أن تجد وبسهولة كبيرة الصنف الذي ترغب فيه من هذه الأماكن حسب ما ترصده من مال. وفي مدينة بودفا ينتشر عدد من المرافق السياحية، خصوصاً في قسم المدينة القديم الذي يشكل واجهة سياحية متميزة، فيه خدمات إعلامية وسياحية متنوعة. أزقة وشوارع الجبل الأسود نظيفة ولا تشكو من اية نواقص، والمواقع الاثرية والسياحية تخضع لعناية فائقة. وحيثما تذهب، تجد مخيمات مجهزة بالمستلزمات الضرورية، وأسعارها مناسبة للغاية. الجبل الاسود يسمى أيضاً"يوكوشكا"، ولكن أشهر أسمائه المتداولة هو"مونتينيغرو، وهو اسم ايطالي اطلق عليه بعد أن احتل الايطاليون هذه المنطقة في الزمان الغابر، وبقي ملاحقاً لها، يستسهله الاوروبيون. وكانت حرب البلقان شملت أيضاً الجبل الأسود، وتعرض اقتصاد البلاد الى أزمة ما زالت مستمرة الى وقتنا الحاضر. وفي عام 2003 تشكل اتحاد حكومي تحت اسم"صربيا والجبل الاسود". الجبل الأسود الآن يعيش مرحلة انتقالية نحو الاستقرار والأمان وانطلاق الحركة التنموية. وتشكل السياحة العمود الفقري لازدهار هذه المنطقة الرائعة من العالم. وبدأت المؤسسات المحلية الخدمية تتجه نحو صناعة السياحة من جديد. ومشت خطواتها الأولى في العناية بالمواصلات والطرق التي تعتبر في غاية الجودة. ثم انتقلت الى إعادة تأهيل الفنادق والمخيمات ومرافق التسوق التجارية. وهي نجحت في ذلك الى حد الآن، والدليل على ذلك عودة الروح الى المنشآت السياحية المختلفة، حيث راحت افواج السياح تتدفق على المنطقة من كل بلدان العالم، وأخذت ملامح الازدهار تبشر بانعطافة مهمة وكبيرة في مضمار صناعة السياحة. الآن بدأت المتنزهات تمتلئ بالزائرين الذين يقضون جزءاً من وقتهم حول الشواطئ أو بين الغابات أو على قمم الجبال، يستريحون قليلاً في المنتزهات الفارهة، مثل المنتزه الدولي"دورميتور". مونتينيغرو قطعة رائعة الجمال، تبهر الزائر، وتترك فيه شيئاً من الذكرى التي ربما يستعيدها على مدى طويل من الزمن.