ربما يستغرب الكثيرون من اسم الغابة السوداء التي تمتد على مد البصر في الجنوب الغربي من ألمانيا، ولكن الاسم له تفسير منطقي فالغابة السوداء سميت كذلك لكثافة أشجارها التي يميل لونها إلى السواد أكثر منه على الاخضرار. وهي بحق توفر متعة بصرية لا تضاهيها متعة فهي شديدة الخضرة في أوقات الصيف والربيع، وناصعة البياض في الشتاء، ولا يوجد هناك منطقة أخرى توفر لك الراحة والاسترخاء في ألمانيا كما تفعل الغابة السوداء. فهي تنقلك بعيدا عن الزحام وضجيج المدن إلى رحم الطبيعة حيث الهدوء الذي لا يكاد يعكر صفوه سوى زقزقة العصافير وأصوات شلالات المياه المنحدرة من كل صوب وحدب. وقد اكتشف الشعراء والأدباء سحر الطبيعة هناك، فكانت هذه البقعة دوما مصدرا للإلهام، فكتبت الكثير من القصائد وألفت روائع القصص. ولا يزال الكثير من الأدباء يبحثون حتى يومنا هذا عن خلوتهم الشعرية في مناطق الغابة السوداء الغنية بالبحيرات والأنهار والوديان والجبال الشاهقة. تقع الغابة السوداء في المنطقة الجنوبية الغربية من ألمانيا على الحدود الفرنسية السويسرية. وتمتد على طول 160 كيلومترا، وبعرض 20 كيلومترا في الشمال وأكثر من 60 كيلومترا في الجنوب. وتبلغ قمم الجبال فيها ارتفاعا يصل إلى 1166 مترا في الشمال وإلى 1493 مترا في الجنوب. وفي الغرب تنحدر الغابة السوداء بشكل حاد باتجاه نهر الراين حيث تصل بالكاد إلى ارتفاع 200 مترا. أما شرقا فتصل التلال المكسوة بالأحراج نحو وادي نهر النيكر ولا يزيد ارتفاعها هناك على 600 متر. في البدء لم تلفت الغابة السوداء الأنظار إليها بصفتها وجهة سياحية واعتبرت لفترة طويلة من المناطق الفقيرة اقتصاديا في ألمانيا، ولكن بسبب ضغوط العمل ورغبة كثير من الألمان في الحصول على مكان يقضون فيه إجازاتهم بعيدا عن المدن وضوضائها عمدت شركات سياحية ضخمة إلى الاستثمار هناك، فبنيت مراكز عديدة ومتنوعة للاستجمام والسياحة الشتوية وأصبحت هذه المنطقة تقدم لزوارها في شتى الفصول العديد من الرياضات المنوعة مثل التجول في الغابات وركوب الخيل وسباق الدراجات صيفا، بالإضافة إلى الرياضات الشتوية مثل التزلج على الجليد في فصل الشتاء. كما يجد الزائر على جانب القرى الحالمة والجبال الهادئة والسهول الخضراء مصايف الاستجمام وحمامات المياه المعدنية التي يأتيها المرضى للعلاج والاسترخاء من كل مكان خاصة مع اعتدال الطقس في فصل الربيع. حافظ سكان الغابة السوداء على الكثير من العادات والتقاليد التي توارثوها منذ القرون الوسطى، ففي يوم الأحد يخرج الناس في مجموعات للتجول في الغابات مرتدين ملابسهم التقليدية القديمة صابغين الغابة السوداء بشيء من الألوان. وتعد مدينة فرايبورغ من أكبر المدن الواقعة في السفح الجنوبي للغابة السوداء وسهل الراين الذي يتميز بجماله وسحر مناظره الطبيعية. وتحوي المدن الصغيرة الأخرى الواقعة في الغابة العديد من القصور والمتاحف التي تعكس التاريخ الذي شهدته هذه المنطقة .