كورتينا هي الاكتشاف الساحر الذي ينتظر أي سائح في إيطاليا، فهي المدينة التي تتكئ من جميع جهاتها على جبال الدولوميت في أقصى الشمال الإيطالي المقابل للحدود النمسوية، وبوابتها من العالم إلى الداخل الإيطالي هي فينيسيا الأكثر شهرة بين المدن التي يحتضنها البحر الأدرياتيكي لتشكل معه تحفة معمارية رائعة لا يزال العالم يتغنى بها على مدى العصور. إلى مطار فينيسيا الذي يتصل مدرجه مع البحر الأدرياتيكي تحط طائرة طيران الإمارات بوينغ 777 بعد أن يستمتع ركابها بالمناظر الجميلة التي يشكلها العناق بين البيوت والقصور التاريخية ومياه البحر الذي يثور عليها حيناً ويقبلها بلمسات سحرية في أحيان كثيرة أخرى، راسماً معها أجمل وأروع المناظر التي فجرت خيال كبار الرسامين والفنانين في إيطاليا والعالم ليتركوا لوحات لا يقابلها في الجمال إلا الأصل الطبيعي الذي أخذت عنه. من هذا المطار تنطلق بك الرحلة نحو كورتينا في طريق يتجه نحو الشمال على طول 200 كليومتر نحت بين الجبال الخضراء، واضطرت يد الإنسان إلى حفر الكثير من الأنفاق الطويلة لاختراقها وصولاً إلى كورتينا المدينة التي وجدت لها اسماً محفوراً في الصخور والجبال المحيطة بها منذ أكثر من ألف عام، إذ يؤكد قاطنوها أن هذه الألفية هي العمر الفعلي لهذه المدينة التي أخذت شهرتها من جبال «الدولوميت» التي تحيطها من كل جهاتها لتشكل لها الحماية الطبيعية من عاديات الزمان بقدر ما كانت هذه الجبال بسمعتها تشكل أحد أهم الأماكن الشهيرة في العالم التي يقصدها المتزلجون في الشتاء لتكون مسارات التزلج الثلاثة عشر التي تتقاسمها القمم الشاهقة وتصلها مع السفوح في أطراف المدينة المختلفة مصدر جذب للشهرة والثراء لهذه المدينة التي بات سكانها الستة آلاف على موعد مع الثراء والأثرياء الذين يقصدونها من مختلف المدن الإيطالية وروسيا ودول أوروبا وأثرياء العالم الآخرين. وبقدر ما أعطت جبال الدولوميت لكورتينا من ثروة وشهرة كانت المدينة بشوارعها وفنادقها وبيوتها الرائعة التي ازدانت كل شرفاتها بالزهور وتشع جمالاً ونظافة وفية لهذه الجبال إذ شقت إليها الطرق من كل أطرافها وارتبطت معها بصلات قوية جسدتها محطات «التلفريك» الحديثة والمتطورة لتصل بين وديان المدينة وبين القمم في جبال الدولوميت التي يتطاول أكثرها ارتفاعاً إلى 3300 متر فوق سطح البحر لتكون إحدى أهم القمم في أوروبا بعد قمة «مون بلان» بين إيطاليا وفرنسا في جبال الألب التي ترتفع إلى 4200 متر. وقد جذب هذا التزاوج بين كورتينا وجبال الدولوميت انتباه العالم لهذه الجبال التي تميزت بنتوءات صخرية ضخمة شكلت جبالاً منفردة عرفت «بالعمالقة الخمسة»، والتي باتت مقصداً لأي سائح تطأ قدماه أرض كورتينا بعد أن اعتمدتها منظمة اليونسكو محمية طبيعية وبعد أن كانت المدينة في العام 1956 موطئاً للألعاب الأولمبية الشتوية، وبات شعار هذه الدورة علامة مميزة في أحد التلال التي تستقبلك عند المدخل الأساسي للمدينة. بين المدينة والجبال المحيطة بها نشأت على مدار التاريخ الذي يختصر عمر كورتينا علاقة حب وحنو، فجبال الدولوميت بما تحمله من ثلوج ترتفع إلى أكثر من 12 متراً في الشتاء تستقبل زوار المدينة الراغبين في التزلج، بل وأبطال هذه اللعبة الرياضية الشتوية الأكثر شهرة في العالم. وقد استعدت هذه الجبال لتكون أحد أهم الأماكن للتزلج في العالم بما تشكله من منحدرات قاسية لا يقوى عليها سوى المحترفين في لعبة التزلج. ويوجد في هذه الجبال المحيطة بكورتينا أكثر من 50 مكاناً لاستضافة المتزلجين وعشاق الثلوج ووفرت لهم في هذه الأماكن التي تعرف ب «ريفيوجيز» المطاعم الجميلة والنظيفة ومحلات المبيت في الجبال إلى جانب حمامات «الساونا» في أماكن تصل درجة الحرارة الخارجية فيها إلى أقل من 40 درجة مئوية في فصل الشتاء. بكل هذه المقومات باتت كورتينا إحدى أهم المدن الإيطالية التي يتطلع إليها الأغنياء من إيطاليا والعالم، واستعدت المدينة لاستقبالهم بنحو 63 فندقاً بينها عدد من أجمل وأرقى فنادق الخمسة نجوم، إلى جانب الفنادق الأخرى التي لا تقل عنها جمالاً ونظافة، إضافة إلى 800 منزل تتحول إلى شقق مفروشة تحتضن زائري المدينة بكل دفئها وجمالها. ويرتفع عدد سكان المدينة في المواسم المعروفة، وبينها فترة عيدي الميلاد ورأس السنة إلى أكثر من 50 ألفاً تغص بهم شوارع المدينة الضيقة ومحلاتها الراقية والأماكن التي تحكي تاريخ كورتينا وبينها متحف الفن الحديث الذي يحوي أكثر من ألف عمل فني يصور معالم المنطقة وشخصياتها والمراحل التي مرت بها. إن كورتينا وأهلها يتطلعون إلى توسيع دائرة الاهتمام بمدينتهم من حلقة الأغنياء المرحب بهم إلى صفوف الطبقة الوسطى. هذا ما أوحى به رجال الفندقة والسياحة الذين التقيناهم هناك، مؤكدين أن بلدتهم التي تتكئ على جبال الألب ولا تفصلها عن النمسا وسويسرا سوى هذه السلسلة الجبلية التي يشيرون إليها بأصابعهم تشكل المكان الذي يجد فيه الجميع مبتغاه من السياحة الشتوية والصيفية. ولذلك تستعد المدينة من خلال المنشآت الجديدة التي تعمل البلدية ورجال الأعمال والشركات فيها على تطويرها ستكون قادرة على استقبال الزوار والسياح من كل مكان في العالم، خصوصاً السائح الخليجي الذي سبقت شهرته وسمعته باعتباره من أكثر السياح إنفاقاً في العالم. ويلفت المسؤولون النظر إلى أن كورتينا تشكل المكان المناسب لشراء البيوت والقصور فيها على رغم ارتفاع أسعارها بنسبة عالية جداً عن مثيلاتها في الدول الأوروبية لما تتمتع به من خصوصية تميزها عن بقية المدن الأوروبية والإيطالية. كورتينا دامبيدزو هي بلدية تابعة لمقاطعة بلونو في إقليم فينيتو الإيطالي تقع جنوب الألب في قلب منطقة دولوميت ويبلغ ارتفاعها 1210 أمتار فوق سطح البحر، وتمتاز بجذب سياحي كبير خصوصاً لهواة رياضة التزلج. وهي استضافت الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 1956، كما كان مقرراً قبل ذلك استضافة دورة 1944 قبل أن تتأجل بسبب الحرب العالمية الثانية. تبدأ قصة الرحلة من فندق ومنتجع «كريستالو» الذي استضافنا وأبهرنا منذ اللحظة الأولى بدفء اللقاء مع مديره الذي بادرنا بعبارة «السلام عليكم»، ليحدثنا عن مزايا الفندق الذي يضم 74 غرفة ويعود بناؤه إلى 110 سنوات خلت، وكان مقراً لإقامة كثير من أبناء الأسر الحاكمة في السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان. ويشع هذا الفندق الجوهرة من موقعه على سفح التلة ليؤكد مكانته بين أروع منتجعات إيطاليا منذ إنشائه عام 1901. فقد أوليت عناية هائلة لإكمال التفاصيل من كل الجوانب، فالتصاميم الداخلية تفتخر بالأسقف المطلية باليد والثريات الفاخرة والمواد الرائعة التي تمتد إلى كل الغرف التي شكلت ملاذات خاصة من الراحة بفعل التوازن بين الديكورات الداخلية المترفة مع التصاميم الخارجية التي تحبس الأنفاس من خلال النوافذ والجمال التاريخي. وبقدر المكانة التي يتمتع بها هذا الفندق كجوهرة معمارية، فهو نقطة جذب لمحبي الطعام الإيطالي إذ يوفر أهم وأفخر الأطباق الإيطالية من خلال تنوع مطاعمه. مطعم غازيبو يدعك تستغل المنظر الجبلي استغلالاً كاملاً بينما لا ستوبي 1872 التقليدي يحيي الماضي الرومانسي بأطباقه اللذيذة. أما لا فيراندا فهو أعجوبة للنكهات الأوروبية الرائعة. النادي الصحي كريستالو أولتيمات يقدم فرصة للاسترخاء ليس لها مثيل بمركز تجميله السويسري الشهير ترانسفيتال وناديه الحديث الطراز فيت ويل وتسهيلات ناديه الصحية العجيبة. وإذا كان بإمكانك الانطلاق من الاسترخاء الصافي لهذا المنتجع المذهل، فإن إثارة المدينة على بعد 5 دقائق من نادي الغولف كورتينا الذي يقدم رياضة غولف جبلية شاملة في الصيف، بينما الجبال تكون واحة رياضية شتوية في الشتاء. فكل من هذه التفاصيل الرائعة تأتي مع بعضها بشكل مثالي في فندق ومنتجع كريستالو للغولف، ما يجعل قضاء العطلات في هذا الفندق تحقيقاً للأحلام. وتنطلق الرحلة في المدينة من ساحتها الرائعة التي تتوسطها الكنيسة ومتحف الفن الحديث الذي يؤشر تواجدهما معاً إلى مضامين كثيرة، وقد حف بكل جنباتها كثير من المحلات الفخمة التي تصدمك بغلاء أسعارها وامتلاكها لأفخر المنتجات والماركات العالمية، إلى جانب المطاعم والمقاهي التي تحمل أسماء كثير من المشاهير الذين زاروا المدينة وكانت مقاهيها موئلاً لهم، وبينها مقهى «هامينغواي» الذي عرف باسم هذا الروائي الأميركي العالمي لكثرة زيارته له. وتمتد الرحلة إلى الدولوميت جوهرة جبال الألب في منطقة لاغازويو حيث وصلنا إلى القمة بواسطة التلفريك، وتناولنا الغداء في استراحة جبلية تعرف باسم Scoiattoli refuge، ثم انتقلنا إلى منطقة توري Torri الساحرة في أعلى الجبال، وهي مجموعة من القمم الواقعة في شمال جبال الألب الإيطالية. وتتكون الدولوميت من 18 قمة يبلغ ارتفاع كل منها ما يزيد على 3000 متر. وتغطي المنطقة المندرجة 141,903 هكتارات من بين أكثر المناظر الطبيعية الجبلية روعة على الإطلاق. وتتميز المنطقة بجدران عمودية، ومنحدرات صخرية شاهقة وعدد كبير من الأودية الضيقة والعميقة والطويلة. ويتكون هذا الموقع التراثي العالمي من ثماني مناطق تمثل مناظر طبيعية رائعة ومتنوعة ذات أهمية عالمية في مجال الجيومورفولوجيا، تشمل عدداً من الأبراج والقمم والجدران الصخرية. وتحوي هذه المنطقة أيضاً سهولاً جليدية، وكثيراً ما تتعرض لتشقق الصخور والفيضانات والانهيارات الثلجية. وتُمثل المنطقة أيضاً أحد أبرز الأمثلة على بقاء نظم المسطحات الكربونية الخاصة بحقبة الميزوزوي وما تحويه من شواهد أحفورية. وتعتبر الدولوميت وجهة مهمة لرياضات الشتاء خصوصاً التزلج. وقد زرنا بعض المواقع في القمم الجبلية التي استخدمت خلال الحرب العالمية الأولى حيث كانت الدولوميت خطاً للمعارك بين القوات الإيطالية والإمبراطورية النمسوية المجرية. وشاهدنا كيف تتغير ألوان الجبال هناك من الصباح وحتى المساء من الألوان الأقحوانية إلى الوردية إلى الصفراء إلى الرمادية على مدار الساعة. ويقال إنها منذ ملايين السنين كانت مغمورة في أعماق البحر وسبب تلونها اليومي يرجع إلى كونها عبارة عن أعشاب مرجانية شاهقة الارتفاع، ولهذا فإن اليونيسكو أعلنتها من المناطق المحمية الطبيعية النادرة في العالم. قمة فالوريا وتوفاني! وتمضي بنا الرحلة إلى قمة «فالوريا وتوفاني» التي ترتفع 3300 متر فوق سطح البحر، وقمنا بتغيير التلفريك ثلاث مرات كي نصل إلى أعلى قمة جبلية في إيطاليا والثانية في أوروبا بعد مون بلان. تجولنا في الأعلى حيث كانت السحب فوق القمم الأدنى... وللمرة الأولى أتجول فوق السحب البيضاء الكثيفة. المدينة تبدو متناهية الصغر ولا نكاد نرى شيئاً. إنه شعور رائع وأنت تحلق على قمة الجبل الشاهقة فوق السحب وتسترق السمع لصوت الطبيعة وتطلق عنان النفس كي تستريح بعيداً عن الصخب! تجربة رائعة لا يمكن وصفها بمجرد كلمات، فهناك الطبيعة الساحرة تتجلى في أبهى صورها وهي تعطي للزائر الحق في أن يعشقها من دون سواها. ثم تأخذ المراحل التالية محبي المشي حول قمة جبل توفاني الذي تكسوه الكتل الجليدية. ولا توجد هنا فروق كبيرة في الارتفاعات، غير أن رحلة المشي عبر الأسوار الحجرية خلال المراعي وغابات الصنوبر الجبلية قصيرة الطول إذ يخشى الزائر من مواصلة المشي تجنباً لحدوث انهيار ما. ويبقى أمام محبي المشي وقت كاف للاستمتاع بالمناظر الطبيعية الساحرة بمنطقة الألب. ونهبط بعدها بواسطة التلفريك لتناول الغداء في مطعم كول دروسي الذي يعج بالزوار والسائحين من كل مكان. وهناك شهدنا بزوغ قوس قزح بألوانه الطبيعية الساحرة، وكان مشهداً رائعاً حقاً أعقبه هطول أمطار غزيرة كان لها سحرها وهي تهطل في وقت الصيف. وأجمل ما يصادفك في هذه المدينة الجو السياحي الذي تشاهده أمامك من اللحظة الأولى، باصات السياح تملأ المواقف والسياح بملابسهم الملونة الخفيفة الفضفاضة يعطونك خيالاً واسعاً في أنك ستقضي أياماً ممتعة في ربوع هذه المدينة الصغيرة، والجميع يتمشى في ممرات السوق الصغيرة، إلى جانب الابتسامات التي لا تفارق محياهم، والجمال الحسن الذي لا ينقطع في كل ناحية من نواحيها. ويخيل للسائح بداية أن المدينة صغيرة جداً ولا تستحق أن يقضي فيها المرء أكثر من يومين إذ بنظرة واحدة من شرفة الفندق الواسعة تستطيع أن تشاهد أولها وآخرها. لكن الحقيقة كانت شيئاً آخر، فأنت تجد نفسك منذ اللحظات الأولى للتجوال أنك أمام طرق تتفرع بك حتى تصل إلى كثير من الهضاب والمرتفعات التي تشكل امتدادات طبيعية للمدينة. تتكون السوق في كورتينا من أربعة ممرات، وفي نصف ساعة فقط يستطيع المتجول أن يقطعها كلها بكل راحة وهدوء ومن دون استعجال. ولكن ما أن تدخله حتى تجد نفسك أمام تحف فنية كثيراً ما تستوقفك وتجذبك للدخول إلى المحلات لتصدم بروعة المعروضات، وتكون الصدمة الأكبر بأسعارها، وتتفق مع مرافقيك في هذه الجولة على أن هذه المدينة هي للأغنياء فقط. ولكنهم يعودون للحديث أن المدينة تعمل من أجل أن تكون في المستقبل لشريحة أوسع كثيراً من شريحة الأغنياء التي مهما امتدت قدرتها الشرائية فإنها لن تغني المدينة التي تتسع قطاعات الأعمال فيها عن أن تكون مكان جذب لكافة الناس ومن كل المستويات والطبقات للتمتع بجمالها وسحرها والتزلج في جبالها. وتقع المفاجأة في لقاء مع هيئة السياحة في المدينة التي حرصت على أن تقدم لنا عرضاً عن أهم مميزات كورتينا وأماكنها السياحية. فكانت المفاجأة بأن الشابة الجميلة «ماريانا» جاءت من النرويج إلى كورتينا التي جذبتها بجمالها لتكون أحد أبرز وجوه هيئة السياحة، فقدمت من خلال شاشة نصبتها في فندق «أكورا»، وقد تحلق حولها كثير من جميلات المدينة ومن بينهن مالكة الفندق التي تنحدر من أسرة عريقة وغنية، عرضاً شاملاً عن ميزات كورتينا والخدمات التي تقدمها لزائريها وشهرتها التي ذاعت في عالم السياحة والرياضات الشتوية. وتنتهي بك الجولة في مطعم إيطالي صغير كان جل المتواجدين فيه من السياح الذين يحملون على قسمات وجوههم ملامح صينية ويابانية بدت عليها علامات الثراء. وكم كانت الصدمة لبعض المرافقين لنا في هذه الجولة أن ضالتهم في السهر الذي اعتادوا عليه في المدن الكبرى لم تكن متوافرة بالقدر الذي يتيح لهم قضاء ساعات ليلية أقل ما يكون فيها أن تكون «الشيشة» رفيقتهم، إذا لم يرتق الأمر إلى الذهاب إلى محلات السهر الصاخب. فالناس في هذه المدينة على موعد دائم مع رحلات صباحية إلى الجبال، وهنا تصر ماريا غرازيا منسقة الرحلة أن الانطلاق سيكون بعد الفطور مباشرة إلى واحدة من الجبال المحيطة بالمدينة. ويحضر السائق الذي كان أحد أبطال التزلج في كورتينا ليقلنا إلى الجبال، ثم يتركنا بعد مشوار قصير في رحلة بين الطرقات الصغيرة في هذه الجبال ونحن الذين أتينا من شوارع أبوظبي العريضة وسياراتها الفارهة لنكون في صراع مع تسلق بعض الهضاب الصغيرة التي تواجهك هنا وهناك، ولكن مع شعور بالارتياح والرضا لهذه التجربة التي كنا نحتاجها ولنأخذ مكافأة عليها غداء إيطالياً رائعاً في أحد المطاعم المميزة التي أقيمت في الجبال. وينقلنا باولو بعد ذلك إلى الفندق لأخذ قيلولة صغيرة نكون بعدها مع جولة أخرى في المدينة وفنادقها ومطاعمها ومحلاتها وبينها فندق غراند سافوي الأغلى سعراً وفندق أنكورا الذي تملكه وتديره فلافيا التي تمثل بشخصيتها أهم الوجوه التي تتعرف إليها في هذه المدينة، ولديها القدرة على تسويق فندقها بطريقة محببة تربطها بالفكاهة. ولا يفوت هيئة السياحة في المدينة أن تلفت الانتباه إلى أن المنطقة باتت محمية من اليونسكو لأن فيها الكثير من الغابات والبحيرات التي يتطلب الوصول إليها ركوب سيارات جيب خاصة قادرة على اختراق الطرق الصغيرة والهضاب لينتهي المطاف بهذه الرحلة الشاقة والشيقة على كرسي في مطعم يطل على إحدى البحيرات، ويكون موعدك هناك أيضاً مع أطباق إيطالية تضيف إلى رونق الرحلة شعوراً بالارتياح والرضا لوجبات أبدع الطهاة في صنعها وتقديمها. ويحط بك الترحال في فندق «روزا بيترا سبا ريزورت» في الطرف الشمالي من المدينة. ومن اسمه تعرف أهمية هذا الفندق الأحدث في كورتينا، فبالإضافة إلى موقعه الرائع الذي تحيط به الجبال والمناظر الخلابة من جنباته وتوزيعه على عدة مستويات وغرف ذات أشكال مختلفة، هو مركز صحي ورياضي توافرت فيه أحدث المعدات. ويؤكد مدير عام الفندق كارمن ميشللو أن جميع المواد التي دخلت في بناء الفندق هي مواد طبيعية صديقة للبيئة. وقد استطاع الفندق الحصول على تصنيف فئة خمسة نجوم بعد شهر واحد من افتتاحه لما حمله من مميزات في مختلف القياسات التي تعتمدها هيئة السياحة الإيطالية لتصنيف الفنادق. وكما بدأت الرحلة من فينيسيا كانت العودة من خلالها، ولكن بعد جولة بحرية في قارب فخم أبحر بنا في جولة بحرية طافت على معظم معالم المدينة لنكتشف إلى جانب سحر البندقية قيمتها التاريخية وروعة بنائها وفنانيها وسكنها وشوارعها المائية والجندول الذي يشكل وسيلة الانتقال الأساسية في أزقتها المائية ومطاعمها ومقاهيها التي أخذت طابعها من وحي هذه المدينة الرائعة. وإذا كان الطريق إلى كورتينا ارتبط بفينيسيا، فإن الرابط بينهما يولد سحراً قلما نجده في أماكن أخرى من العالم والذي يختصر بشكل أساسي بين حضارة قامت على البحر وحضارة تقوم على الجبال في بقعة لا يفصل بينهما سوى وقت قصير من الزمن لقطع مسافة هي قطعة من السحر والجمال. وبهذا المعنى تشكل كورتينا، كما فينيسيا، إضافة هامة إلى المدن الإيطالية الساحرة فتنضم بكل قوة إلى روما وميلان وفلورنسا وبيزا وسيينا وجنوى والريفيرا الإيطالية وصقلية وغيرها من المدن الإيطالية، وتضع نفسها بقوة على خريطة السياحة الإيطالية خصوصاً في فصل الشتاء مع محبي رياضة التزلج من كبار أغنياء العالم مع اهتمام خاص بالسائح الخليجي الذي سبقته سمعته إلى كورتينا على أمل وصوله إليها مع أسرته لقضاء أيام جميلة أهم ما يميزها الأمن والهدوء والراحة بين أحضان الطبيعة مع تلمس المدينة الكثير من متطلبات السائح الخليجي مستقبلاً.