حض البنك الدولي الدول الصناعية على اتخاذ خطوات شجاعة وعاجلة لضمان نجاح المشاريع الإنمائية، التي تطمح إلى انتشال مئات ملايين البشر من الفقر المدقع، وتوفير الحد الأدنى من خدمات التعليم والصحة في البلدان الفقيرة. وحذر في تقرير جديد، سيشكل أحد أهم القضايا المطروحة على اجتماعات "الربيع" المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين في نهاية الأسبوع الجاري، من أن "صدقية" المجتمع الدولي لم تكن في يوم من الأيام على المحك، أكثر مما هي عليه اليوم. نتائج الأهداف الانمائية للألفية الثالثة وقال رئيس البنك جيمس وولفنسون، ملخصاً نتائج الإصدار السنوي الثاني من "تقرير المتابعة الدولي لسنة 2005، وهو جهد مشترك للبنك وصندوق النقد يرصد التقدم المحرز باتجاه تطبيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة، انه "يتعين على الدول الغنية بأن تفي الآن بوعودها في شأن زيادة مساعداتها الإنمائية، وفتح أسواقها وتخفيف أعباء ديون الدول الفقيرة، كما تحتاج الدول النامية، خصوصاً الأكثر فقراً في أفريقيا جنوب الصحراء، إلى رفع درجة طموحاتها، وتطوير السياسات وأساليب الإدارة التي تنتهجها لتحسين كفاية استخدام المساعدات الدولية التي تتلقاها". وعكس تصريح وولفنسون قلقاً متزايداً لدى المؤسسات المتعددة الأطراف، من أن تقاعس الدول الصناعية عن الوفاء بوعودها، يعني أن الدول النامية لن تتمكن من خفض عدد سكانها، الذين يعيشون في فقر مدقع أقل من دولار واحد في اليوم إلى نصف ما كان عليه في 1990، ومكافحة الجوع وتوفير التعليم الابتدائي لكل الأطفال، وتحقيق مساواة كاملة بين الجنسين، ورفع مستوى الخدمات الصحية للحوامل والرضع ووضع حد نهائي لانتشار مرض نقص المناعة المكتسبة ايدز. ويقدر البنك عدد ضحايا هذا الفقر حالياً بأكثر من بليون إنسان، ما يعادل 17 في المئة من سكان العالم. لكنه يحذر من أن فشل بند مكافحة الفقر في الأهداف الإنمائية الثمانية، التي يفترض تطبيقها بحلول 2015، وتشمل توفير حماية كافية للبيئة واقامة شراكة دولية للتنمية، سيترتب عليه أبعاد خطيرة خصوصاً أن عدد سكان الدول الفقيرة سيزيد بنحو 1.5 بليون نسمة، في فترة لا تتعدى عقدين ونصف. وأشار مسؤول في البنك الدولي إلى أن النسخة الجديدة من تقرير المتابعة، ستكون أحد البنود الأساسية على جداول أعمال وزراء المال والتنمية ومحافظي المصارف المركزية الذي سيشاركون في اجتماعات الربيع، وفي قمة مجموعة الثمانية الدول الصناعية السبع الكبرى وروسيا التي ستعقد في بريطانيا في تموز يوليو، والقمة المقرر أن تعقدها الأممالمتحدة عن الأهداف الإنمائية في أيلول سبتمبر المقبلين. تقدم بطيء ومتباين في تحقيق الاهداف الانمائية ويكشف التقرير، أن التقدم الذي تم إحرازه في السنوات الخمس الأخيرة بشأن تطبيق الأهداف الإنمائية، كان بطيئاً، ومتبايناً، بل شبه معدوم في الدول الأفريقية الأكثر فقراً. ويلفت إلى أن هدف مكافحة الفقر والجوع يبدو مهدداً في عدد من الدول الفقيرة، لكنه يحذر من أن غالبية هذه الدول تواجه احتمال الفشل في تطبيق أهداف التعليم والصحة، التي تطمح إلى خفض حالات الوفاة عند الأطفال دون سن الخامسة بنسبة 67 في المئة، وحالات الوفاة المرتبطة بالرضع بنسبة 75 في المئة. وشدد كبير واضعي التقرير ضياء قريشي على "النتائج المأسوية"، التي ستتمخض عن الفشل في تحقيق التقدم المطلوب في تطبيق أهداف التعليم والصحة، وقال انه "يتوفى كل أسبوع 200 ألف طفل دون الخامسة بسبب المرض، وتسلم عشرة آلاف امرأة الروح أثناء الوضع. وفي أفريقيا جنوب الصحراء، سيموت مليونا شخص بسبب مرض الإيدز في العام الجاري فقط. أما في الدول النامية فهناك 100 مليون طفل خارج المدارس". ولمح البنك الدولي في تقريره إلى أن كثيراً من الدول النامية أوفى بالتزاماته تجاه ما هو مطلوب لتحقيق الأهداف الإنمائية بعدما أظهر في الأعوام الخمسة الماضية، "تحسناً" في السياسات وأساليب الإدارة التي يتبعها. ولفت كذلك إلى تسجيل زيادة ضخمة في المساعدات الإنمائية التي تقدمها الدول النامية للدول الفقيرة، والتي تضاعفت في الفترة من 2001 إلى 2003 لتصل إلى 3.4 بليون دولار، مشيراً إلى أن المساعدات السعودية للدول الفقيرة ارتفعت من أقل من 500 مليون دولار في 2001 إلى 2.4 بليون دولار في 2003. ضرورة زيادة المساعدات الرسمية لكن البنك الدولي لم يدع مجالاً للشك في أن نجاح تطبيق الأهداف الإنمائية في الموعد المتفق عليه دولياً، يتطلب من الدول الصناعية زيادة المساعدات الرسمية التي تقدمها للدول الأكثر فقراً، وخصوصاً في أفريقيا جنوب الصحراء، بنحو ضعفين إلى ثلاثة أضعاف، مقارنة بالمستوى التي كانت عليه في 2003، مشدداً على أن الإصلاحات الجارية ستمكن كثيراً من دول المنطقة من استيعاب ضعفي المساعدات الإنمائية الحالية في الأعوام الخمسة المقبلة. وسجل التقرير نمو هذه المساعدات بنسبة 5 في المئة في 2003، لتصل إلى 69 بليون دولار. ولاحظ أن وفاء الدول الصناعية بالوعود التي قطعتها على نفسها في مؤتمر مونتيري المكسيك في 2002، سيزيد حجم هذه المساعدات بنسبة 30 في المئة في الفترة من 2003 الى 2006، ومن ثم إلى 100 بليون دولار في 2010. لكنه أوضح أن حتى لو تحققت الزيادات المتوقعة فإنها لن تكون كافية توفير التمويل المطلوب لتطبيق المشاريع الإنمائية. تتباين التقديرات الدولية في شأن حجم المساعدات المطلوبة لتمويل هذه المشاريع. إلا أن الأممالمتحدة التي رعت "مشروع الألفية" في وقت سابق من العام الجاري انفردت بأحدث هذه التقديرات، ورأت بأن الدول المانحة، وتحديداً الدول الصناعية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تحتاج إلى زيادة مساعداتها عن مستوى 2003، بمبلغ 66 بليون دولار في 2006، 83 بليوناً في 2010، وبمبلغ 126 بليوناً في 2015. ورغم ضخامة الزيادات المطلوبة، أكد البنك أن متوسط حصة المساعدات الإنمائية في النواتج القومية لمجموعة الدول المانحة لن يزيد على 0.44 في المئة في 2006، وسيرتفع إلى 0.46 في المئة فقط في 2010، ولن يتجاوز 0.54 في المئة في 2015، أي سيبقى أقل بكثير من النسبة المتفق عليها دولياً وهي 0.7 في المئة، لكنه اعترف بأن الزيادات المتوقعة ستبقى مجرد افتراضات، وعزا السبب إلى امتناع كبار الدول المانحة، لا سيما الولاياتالمتحدة واليابان عن إعطاء أي التزامات بعد 2006. وتضمن تقرير البنك انتقاداً حاداً ومباشراً للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الزيادة الكبيرة التي أقرتها إدارة الرئيس جورج بوش في بند المساعدات الإنمائية في 2002 و2003 وانفردت أفغانستان والأردن والعراق بالجزء الأكبر منها - حابت مصالح أميركا الاستراتيجية على حساب هدف مكافحة الفقر. ولم يغفل التقرير الإشارة إلى أن أسعار صرف الدولار التهمت نحو 8 بلايين دولار من المساعدات الإنمائية الدولية في 2003 فقط.