إنتقد البنك الدولي ممارسة التملق وتقييد المساعدات الخارجية بالشروط لاجبار الدول النامية على تبني الاصلاحات الاقتصادية، مؤكداً أن المساعدات الانمائية يمكن أن تدعم تطبيق الاصلاحات في البلدان الفقيرة على وجه الخصوص، لكن فقط عندما يتولد لدى حكومات وشعوب الدول المتلقية القناعة الذاتية بالحاجة إلى التغيير. قال البنك الدولي في تقرير عن المساعدات الانمائية والاصلاحات الاقتصادية في أفريقيا أول من أمس: "ما لم تتوفر القناعة الذاتية على الصعيدين الحكومي والشعبي بضرورة التغيير فمن غير المحتمل أن ينجح التملق والشروط المفروضة من قبل الدول المانحة في جعل الدول الفقيرة تتبنى إصلاحات إقتصادية تعارضه". وتضمن التقرير دراسات شاملة عن مساهمة المساعدات الخارجية في تطبيق الاصلاحات الاقتصادية في عقدي الثمانيات والتسعينات وتركزت هذه الدراسات في عشر دول أفريقية هي ساحل العاج والكونغو زائير سابقاً وإثيوبيا وغانا وكينيا ومالي ونيجيريا وتنزانيا وأوغندا وزامبيا، لكنها استخلصت "دروساً" تطال العلاقة بين المانحين والدول النامية عموماً. وقالت شانتا ديواريان كبيرة الاقتصاديين في شبكة التنمية البشرية التابعة للبنك الدولي عن نتائج الدراسات المشار إليها: "أظهرت هذه الدراسات أن المساعدات لا يمكنها شراء الاصلاحات في الدول الفقيرة الرافضة لها، وفي غياب استراتيجية وطنية إنمائية لن يكون للمساعدات من أثر يذكر مهما بلغت من السخاء ومهما إتصفت بحسن النوايا". وإستنتج التقرير أن اللجوء إلى فرض الشروط لاجبار الدول النامية على تطبيق إصلاحات مثل العمل على استقرار أسعار الصرف أو إقامة نظام قضائي مستقل غالباً ما يكون عديم الفائدة. وشدد على أن توافر السياسات الواضحة المؤيدة للتغيير يعتبر عاملاً أساسياً لتحقيق النجاح في تطبيق الاصلاحات. وأكد التقرير أن التزام القادة السياسيين إزاء مسألة الاصلاح الاقتصادي وتوافر الكوادر المؤهلة للتطبيق يشكلان أرضية مناسبة تتيح للمساعدات الخارجية أن تزيد من ثقة الشعب بالمسار الاصلاحي وأن تجتذب قدراً أكبر من الاستثمارات الخاصة لهذا البلد، ما يدعم قدرته على تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي. لكن البنك الدولي وجه انتقاداً شديداً للدول المانحة بسبب خفض مساعداتها للدول الأفريقية على رغم التزام الكثير من هذه الدول المسار الاصلاحي وتبنيه سياسات إجتماعية وإقتصادية فعالة، مشيراً إلى تراجع المساعدات الانمائية لأفريقيا من 32 دولاراً للفرد في عام 1990 إلى 19 دولاراً فقط في عام 1998. وقال رئيس البنك الدولي جيمس ولفنسون: "من المفارقات المؤلمة أن يتم خفض المساعدات الانمائية في الوقت الذي يتبنى فيه الكثير من الدول الأفريقية سياسات إجتماعية وإقتصادية فعالة ويلتزم العمل على الاصلاح وليست هذه هي الرسالة الصحيحة التي ترسلها الدول المانحة لأفريقيا". وحض ولفنسون الدول المانحة على زيادة مساعداتها الانمائية. وقال أن الدول الغنية بحاجة إلى التذكير أن المستويات الراهنة لمساعداتها التي تقدر بنحو 0.24 في المئة من ناتجها المحلي يقل كثيراً عما التزمت تقديمه للدول النامية 0.7 في المئة من الناتج المحلي وأن الفرق بين الواقع والالتزام يعادل 100 بليون دولار وهو فرق بين الحياة والموت بالنسبة للملايين من الناس. ولم يذكر رئيس البنك الدولي دولة بعينها إلا أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تعتبر أكبر تجمع للدول الغنية تظهر أن غالبية الدول المانحة مقصرة في التزاماتها تجاه الدول النامية بينما تنفرد أربع دول فقط وهي الدنمارك والنروج وهولندا والسويد بتقديم مساعدات إنمائية تناهز التزاماتها أو تعادلها. وتأتي الولاياتالمتحدة في مقدم الدول الغنية التي لا تفي بالتزاماتها، إذ بلغت قيمة مساعداتها الخارجية حسب أحدث المعطيات المتوافرة لسنة 1999 نحو 9.1 بليون دولار وشكلت زهاء 16 في المئة من إجمالي المساعدات الانمائية في العام المذكور لكنها تعادل 0.10 في المئة فقط من ناتجها المحلي. وطالب ولفنسون، الذي إختتم أخيراً جولة أفريقية شملت 22 بلداً، الدول الصناعية بفتح أسواقها أمام الدول النامية. وقال إن "الزعماء الأفارقة هم اليوم أكثر تصميماً من أي وقت مضى للعمل على ازدهار إقتصادات بلدانهم لكنهم يحتاجون أيضاً إلى المساعدات الانمائية لدعم هذه الاصلاحات وكذلك فتح أسواق الدول الصناعية أمام منتجاتها". ولفت البنك الدولي في تقريره إلى أن الدول المانحة استوعبت حقيقة أن المساعدات الانمائية ليست ذات فاعلية إيجابية في الدول الفقيرة التي تتفادى الاصلاحات الاقتصادية المحفزة للنمو وخفض الفقر، لكنه حذر أن المانحين الذي يقدمون مساعدات ثنائية متجاهلين الأداء الاقتصادي السيء للدول المتلقية يخاطرون بتحصين الدول النامية ضد الحاجة إلى تطبيق إصلاحات ذات فائدة كبيرة لشعوبها على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. واعترف التقرير الذي موله المانحون الأوروبيون فرنسا والمانيا وهولندا والنروج والسويد بالتهديد الذي تتعرض له المسارات الاصلاحية بسبب النزاعات المسلحة والأوضاع السياسية غير المستقرة، إذ أشار إلى أن الدول الأفريقية تلقت مساعدات كبيرة منذ بداية الثمانينات إلا أن النتائج جاءت متباينة إلى حد بعيد. وأكد التقرير أن غانا وأوغندا حققتا تقدماً سريعاً على صعيد إصلاح السياسات الاقتصادية ونجحتا في خفض الفقر كما حقق كل من ساحل العاج واثيوبيا تقدماً كبيراً في الأعوام القليلة الماضية، إلا أن الأوضاع السياسية غير المستقرة وآثار النزاعات العسكرية تثير الشك حول إمكان الاستمرار في هذا الاتجاه. وأشار معدو التقرير إلى أن دولاً أفريقية أخرى تلقت مساعدات لكن سياساتها الاقتصادية حققت تقدماً ضئيلاً أو إزدادت أوضاعها سوءاً. وخلص التقرير إلى التأكيد على أن المساعدات الأجنبية لا يمكن استخدامها لفرض الاصلاح على الدول لكن من شأن اختيار التوليفة المناسبة من التمويلات الانمائية إضافة إلى الاستشارات المتخصصة بالسياسات الاقتصادية والمساعدات الفنية أن يلعب دوراً على قدر كبير من الأهمية في دعم مسارات الاصلاح الاقتصادي.