حذر البنك الدولي من أن تقاعس المجتمع الدولي ممثلاً بالبلدان النامية والدول المانحة والمنظمات الدولية في اتخاذ إجراءات عاجلة وإقامة تعاون منسق بينها من شأنه أن يؤدي إلى إخفاق "الكثير من البلدان" في تحقيق "الأهداف الإنمائية الدولية" التي صادق عليها زعماء غالبية الدول الأعضاء في الأممالمتحدة أخيراً وترمي إلى إنقاذ مئات ملايين البشر من براثن الفقر المدقع وتمكين الشعوب الفقيرة من أسباب الرفاهية في موعدها المحدد. جاء تحذير البنك الدولي في اختتام الاجتماعات نصف السنوية المشتركة للبنك وصندوق النقد الدوليين التي تزامنت أمس الأحد مع تظاهر بضع مئات من مناهضي العولمة الذين اتهموا المنظمات الدولية بالمساهمة في زيادة أعباء الفقراء عن طريق فرض شروط التخصيص التي تقضي على مجانية برامج التعليم والرعاية الصحية، وطالبوا هذه المنظمات الدولية بشطب ديون الدول الفقيرة ووضع حد لعمليات فرض الشروط في أنشطتها الإقتراضية. واعترف مسؤولون في البنك الدولي الذي أصدر تقريره السنوي عن "مؤشرات التنمية - 2001" أن أحدث المعطيات الاحصائية المعنية بكوكبنا ترسم صورة "كئيبة" عن الفقر والجهل والمرض وأن جهود مكافحة الفقر على وجه الخصوص حققت نتائج شديدة التواضع، لكنهم أكدوا في المقابل أن هذه المعطيات تتضمن أسباباً للأمل، مشددين على أن نجاح المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات عاجلة سيتيح لمئات الملايين من الناس فرص التخلص من براثن الحرمان الشديد. وقال نيكولا ستيرن رئيس الخبراء الاقتصاديين في البنك والنائب الأول للرئيس إن "الصورة التي ترسمها المعطيات الجديدة توحي بخطورة الوضع لكنها تتضمن أسباباً للأمل، إذ أن نجاح البلدان النامية والبلدان المانحة والمنظمات الدولية في العمل معاً على وجه السرعة سيتيح لمئات الملايين من الناس فرص الهروب من براثن الحرمان الشديد". وأضاف: "ونحن في الشطر الأول من القرن الحادي والعشرين لدينا فرصة نادرة" لتحقيق هذا الهدف. وتضمنت مؤشرات التنمية إحصاءات تظهر مدى خطورة التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي: 1- من بين سكان العالم البالغ عددهم ستة بلايين نسمة يعيش 1.2 بليون إنسان على أقل من دولار واحد يومياً. 2 - توفي نحو 10 ملايين طفل تحت سن الخامسة في عام 1999 غالبيتهم بسبب أمراض يمكن الوقاية منها. 3 - لاينتظم زهاء 113 مليون طفل في المدارس والبنات بينهم أكثر من الأولاد. 4 - يتوفى سنوياً نحو نصف مليون إمرأة أثناء الحمل والولادة نتيجة لمضاعفات يمكن علاجها بسهولة أو الوقاية منها. وتعتبر الاحصاءات الجديدة أول كشف حساب منذ صادق زعماء 149 دولة، في مؤتمر الألفية في أيلول سبتمبر الماضي، على "الأهداف الإنمائية الدولية" التي تمت صياغتها في سلسلة من مؤتمرات الأممالمتحدة في التسعينات وترمي إلى خفض عدد سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع بمقدار النصف في الفترة من سنة 1990 إلى سنة 2015 وتحقيق تقدم على صعيد الالتحاق بالمدارس والمساواة بين الجنسين والرعاية الصحية للرضع والأطفال والأمهات وخدمات الصحة الإنجابية وحماية البيئة. وكشفت هذه المعطيات أن بعض البلدان النامية، لا سيما البلدان الواقعة في شرق آسيا، وعلى وجه الخصوص الصين، وكذلك الهند في جنوب آسيا، تملك الفرصة لتحقيق "الكثير" من الأهداف الانمائية، علاوة على الهدف العالمي المتعلق بالفقر، في موعدها لكن مناطق أخرى أبرزها منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، التي تضم عدداً كبيراً من الدول الأكثر فقرا في العالم، لن تنجح في تحقيق واحد أو أكثر من هذه الأهداف ما لم يدعمها تعاون دولي منسق. وقال ستيرن: "إذا استمرت الصينوالهند في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية وتحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية وبشكل مطرد سيصبح من الممكن بلوغ الهدف الدولي المتعلق بخفض أعداد الفقراء على مستوى العالم. لكن على المستوى الوطني وفي ضوء معدلات النمو الراهنة ستخفق بلدانا كثيرة في بلوغ هذا الهدف". وأوضح أن "الصورة مختلطة بدرجة مماثلة بالنسبة للأهداف الإنمائية الأخرى". وأظهرت معطيات مؤشرات التنمية لسنة 2001 تحقيق تقدم ملموس بإتجاه أهم الأهداف الانمائية في الفترة الماضية، إذ انخفضت النسبة المئوية لعدد الناس الذين يعيشون من دخل يقل عن دولار واحد في اليوم من 29 في المئة من سكان العالم في عام 1990 إلى نحو 23 في المئة في عام 1998، بينما انخفض العدد المطلق لهؤلاء الناس الذين يعيشون فيما يعتبر بكل المقاييس فقراً مدقعاً بزهاء 100 مليون نسمة. لكن جهود مكافحة الفقر نجحت في شرق آسيا وأخفقت في المناطق النامية الأخرى بدرجات متباينة باستثناء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث بقيت معدلاتها عند حد منخفض. وفيما خفضت الصين عدد فقرائها المدقعين بمقدار 185 مليون شخص في الفترة المشار إليها، ارتفع عدد الناس الذين يعيشون من دخل يقل عن دولار واحد خارج الصين من 880 مليون نسمة في عام 1987 إلى 961 مليون شخص في عام 1998 وسجلت أكبر زيادة في دول أفريقيا جنوب الصحراء. ورأى البنك الدولي مع ذلك "بوادر أمل في أفريقيا" جنوب الصحراء، مشيراً إلى أن المنطقة المذكورة تضم خمسة من البلدان النامية ال15 التي حققت أسرع معدلات النمو الاقتصادي بين عامي 1998 و 1999 وهي الرأس الأخضر وغينيا الاستوائية وغينيا بيساو وموزامبيق وأوغندا التي حققت جميعها معدلات نمو في إجمالي الناتج المحلي تجاوزت سبعة في المئة. وأظهرت الأرقام الأولية لعام 2000 أن السودان وموريشيوس وأوغندا ستحقق جميعها معدلات نمو أعلى من خمسة في المئة. وفي إطار الاجراءات العاجلة المطلوبة لدعم جهود مكافحة الفقر، حض رئيس البنك الدولي جيمس وولفنسون البلدان الغنية على مساندة "هذه الاتجاهات المبشرة بالخير" في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء وزيادة مساعداتها الإنمائية الرسمية التي يقدر مستواها الراهن بنحو 0.24 في المئة فقط من نواتجها المحلية الاجمالية، مؤكدا أن وفاء البلدان الغنية بالتزامها من شأنه أن يتيح زيادة المساعدات الانمائية الرسمية بمبلغ إضافي قدره 100 بليون دولار. وكانت غالبية الدول المانحة أكدت تطلعها إلى تقديم مساعدات إنمائية سنوية تعادل 0.7 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي. لكن البنك الدولي أشار إلى أن عدداً قليلاً من هذه البلدان وتحديداً الدنمارك وهولندا والنروج والسويد التزم الهدف المعلن في عام 1999. وانخفض صافي المساعدات الإنمائية الرسمية محسوباً بنصيب الفرد في الدول المانحة من 71 دولاراً في عام 1994 إلى 66 دولاراً في عام 1999. وأكد ستيرن تعليقاً على استنتاجات التقرير السنوي ضرورة إستثمار النجاح الذي حققته "بلداناً نامية كثيرة باعتماد سياسات وبناء مؤسسات مؤدية الى تحقيق النمو الاقتصادي، ما مكنها من رفع معدلات نمو نصيب الفرد من إجمالي نواتجها المحلية إلى مستويات أعلى مما هي عليه في البلدان الغنية". وقال: "يجب أن تساند البلدان المانحة هذه الجهود بزيادة المساعدات للبلدان الفقيرة التي تعمل على محاربة الفقر وإزالة الحواجز أمام التجارة التي تضر بالفقراء". وعرض مسؤولو البنك الدولي للدور التقليدي الذي تقوم به المنظمات الدولية في مجال مكافحة الفقر، لكن تقرير مؤشرات التنمية تضمن العديد من الملامح المهمة أبرزها أن عدد سكان العالم ارتفع في العقود الخمسة الماضية بمقدار 2.4 ضعف ليصل إلى 6.1 بليون نسمة في عام 2000 بينما إرتفع إجمالي الناتج المحلي العالمي بمقدار أربعة أضعاف في أربعة عقود وبلغت قيمته في عام 1999 نحو 32.5 تريليون دولار. وعلى رغم أن البلدان الغنية لاتزيد حصتها من السكان عن 15 في المئة إلا أنها تستخدم 50 في المئة من الطاقة التجارية للعالم ويبلغ نصيب الفرد في هذه البلدان عشرة أضعاف نصيب الفرد في البلدان الفقيرة. جدول