باسل فليحان، وزير الاقتصاد سابقاً ومستشار الرئيس رفيق الحريري، اغتيل يوم اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط فبراير 2005 وان هو قضى 64 يوماً يصارع الموت في مستشفى متخصص بالحروق في باريس. من المعروف ان باسل فليحان أشرف مع فريق عمله على وضع دراسة الاجراءات والاصلاحات المطلوبة لحيازة ثقة الدول في مؤتمر باريس - 2 الذي عقد في تشرين الثاني نوفمبر عام 2004 وأقر مساعدات ملحوظة للبنان. بعد انقضاء سنتين على قرارات باريس - 2، كان لبنان لا يزال متأخراً عن اقرار أية اصلاحات تعهد بها, ومنها تنفيذ التخصيص بالنسبة لبعض المؤسسات العامة، ومنها على سبيل المثال الخدمات الهاتفية الخليوية والثابتة، انتاج وبيع الكهرباء، ومنشآت النفط المتوقفة عن العمل، الخ. تناولت مذكرة العمل الأخيرة، التي وضعها باسل فليحان لكتلة الرئيس الحريري وأنجزها قبل حادث الاغتيال بيوم أو اثنين، الخطوات المطلوبة لاحياء الاقتصاد وتنشيط النمو وضبط عجز الموازنة خلال الفترة 2006 - 2010، وشدد باسل فليحان على ان تأخر لبنان عن تنفيذ التزاماته هو سقوط في امتحان الصدقية الدولية على الصعيد المالي للمرة الأولى في تاريخ البلد، كما ان التأخر يزيد من الكلفة المستقبلية. كانت الخطوات التي التزم بها لبنان تجاه ممثلي المجتمع الدولي والعربي الذين شاركوا في مؤتمر باريس 2 من ثلاثة أنواع: تنفيذ التخصصية في مجالات مناسبة ومحتاجة للتطوير، تسنيد عوائد أكيدة في مقابل ديون طويلة الأمد بفوائد متدنية، واصلاح الادارة العامة التي أصبحت وسائل عملها عبئاً على المواطنين والمستثمرين في آن. الاصلاح الاداري يستوجب وقتاً ليس بقصير. ونحن نشهد كيف أن التعيينات الادارية تستهلك الوقت قبل اجرائها. وعمليات التسنيد سهلة التحقيق نسبياً لأنها تشابه عمليات الاقراض المصرفي مقابل التدفق النقدي للزبائن. وبالتالي، الامتحان الأساس هو حول موضوع التخصيص. وقياساً على خبرة الماضي ومواقف عدد من السياسيين والكتل النيابية، لن يكون الأمر سهلاً. ومن المفيد عرض مستوجبات نجاح مبادرات التخصيص وخبرة الماضي القريب لتفحص آفاق المستقبل. الشروط العامة لنجاح التخصيص تستوجب تحقق الشروط التالية على الأقل: - وضوح التشريع واستقراره. - اشراك آلاف المساهمين في ملكية الأسهم مع الحيلولة دون تمكن أي فريق من حيازة أكثر من 2 ? 3 في المئة من الأسهم سوى الفريق التقني الذي يوفر خبرة التشغيل والذي قد يتملك 30 في المئة منها. - اخضاع أسعار خدمات الشركات المخصصة الى رقابة مجالس رقابية تؤلف من خبراء منزهين عن الغرضية يتحققون من أن الاسعار غير احتكارية، ومن نوعية الخدمات المقدمة وبرامج تطوير الخدمات. - تأمين دقة محاسبية في مراجعة حسابات الشركات المعنية وشفافية كاملة في عرض نتائج أعمال هذه الشركات مع شرح أوجه النشاط. - توافر سوق مالية ناشطة ومتمتعة بالسيولة وخاضعة لادارة منتظمة تراقب عمل الشركات ضمن الأصول المتعارف عليها دولياً. - تأمين المنافسة في تقديم الخدمات بحيث تنتفي الممارسات الاحتكارية وامكان استعمالها لتحقيق أرباح باهظة. ان هذه الشروط وغيرها ضرورية لنجاح مبادرات التخصيص في مجتمع يقر بالحرية الاقتصادية شرطاً للملكية والتصرف بالموجودات، فماذا كان الوضع حينما مارس الحكم اللبناني مبادرات تخصيصية؟ البحث في منافع التخصيص جار منذ عام 1989، وهناك توصية رسمية من لجنة خبراء ألّفها مجلس الوزراء عام 1992 باعتماد التخصيص لتخفيض الدين العام من جهة، وتحسين فعالية المؤسسات العامة من جهة أخرى. من مبادرات التخصيص اصدار رخص شركتي الهاتف الخليوي ومحطات التلفزة أواسط التسعينات. وليس من شك ان القوانين المتعلقة بتخصيص هذه النشاطات كانت سيئة، وقد وفرت منذ البداية عناصر احتكارية لفئات سياسية، ولم تؤلف أية مجالس رقابية، والملكيات التي تمظهرت في هذين المجالين وغيرهما انحصرت بكبار السياسيين والأقارب والمنتفعين من المسيطرين على القرار السياسي والأمني في البلد. لا شك في أن صورة التخصيص التي توافرت من مبادرات أواسط التسعينات هي صورة منفرة وبعيدة كل البعد عن الشروط الأساسية لإنجاح العمليات التي ذكرنا بعضها أعلاه. فلا عجب اذاً، قياساً على الماضي القريب والمنحى الفكري لبعض القوى والأحزاب في لبنان، من تزايد المعارضة لخطوات التخصيص. والنجاح سيرتهن الى حد بعيد بالشفافية واستقرار القوانين ونشاط السوق المالية والمشاركة الجماهيرية في الملكية. ان البحث في التخصيص يثير مقداراً من الانفعال حجب حتى تاريخه حقائق أصبحت مطمورة في الممارسة العامة. فعلى سبيل المثال، شركة انترا للاستثمار هي شركة خاصة بنظامها وغالبية أسهمها، مملوكة من آلاف الأفراد والعائلات ممن كانوا مودعين في بنك انترا عند افلاسه نتيجة عجز السلطات النقدية عن اقرار خطوات انقاذية عام 1966. القطاع العام لا يملك غالبية اسهم شركة انترا للاستثمار، ومع ذلك يمارس عبر البنك المركزي تسمية أعضاء مجلس الادارة ورئيس المجلس. وهناك منهجية ومخالفة واضحة تجعل من ادارة انترا ادارة من صميم خيارات الدولة والسياسيين، ونقول هذا مع اداركنا ان القيمين على ادارة شركة انترا حالياً هم من العناصر الجيدة. وما يسري على شركة انترا يسري على الكازينو الذي تملك شركة انترا 51 في المئة من أسهمه. وأشرف على ادارة الكازينو رئيس مجلس ادارة كان يرفض الاستماع الى وزير المال والاجتماع به أي الرئيس السنيورة حالياً ويوزع المعاشات على من يرغب من المحظيين، حتى نشرت لائحة هؤلاء من اللبنانيين والسوريين فأصيب رئيس مجلس الادارة هذا بصدمة أودت به الى المستشفى، وما زال المجلس من دون رئيس جديد وأعضاء جدد، علماً بأن أسهم الكازينو ارتفعت أسعارها كثيراً عندما توسع الأمل في ضبط الاهدار وممارسات التنفيع التي كانت سائدة. ان أوضاع شركة انترا للاستثمار وشركة الكازينو يوفران صورة عن مصادرة قرار المساهمين من قبل القطاع العام، وهذا أمر مناقض تماماً لمستوجبات نجاح التخصيص. فإذا شاءت الدولة إنجاح هذه المبادرات، عليها في المكان الأول تمكين الشركات الخاصة التي تمكنت من السيطرة على اداراتها من ممارسة خيارات المساهمين من دون مشاركة الدولة في التصويت. عندئذ يكون هناك برهان على جدية ورغبة السلطات العامة في إنجاح مبادرات التخصيص والالتزام الفعلي تجاه دول مؤتمر باريس 2 والمجتمع المالي الدولي. مستشار اقتصادي.