بدا ان إقرار الحكومة الأردنية مشروع قانون للنقابات المهنية يمنعها نهائياً من احتراف المعارضة السياسية ويساهم في ضرب معقل مهم للإسلاميين واليسار الناقم على أميركا وإسرائيل، يشكل حسماً سريعاً للأزمة التاريخية بين السلطات والنقابات، رغم أن ذلك فتح ملف الحريات العامة في الأردن ووضع برامجه الإصلاحية في اختبار حقيقي بعدما وجهت وزارة الخارجية الأميركية انتقادات شديدة الأسبوع الماضي"للانتهاكات الحكومية لحقوق الإنسان، وتراجع حرية التعبير المكفولة في الدستور". ولن يتردد البرلمان المؤيد للحكومة بتمرير مشروع القانون الذي يمنع النقابات من مزاولة السياسة، ويضع رقابة على أموالها التي تزيد على 500 مليون دولار، ويحول آلية انتخاب النقباء ومجالس النقابات من"اللائحة المتعددة الأصوات"الى أسلوب"الصوت الواحد للناخب الواحد"ويزيد تمثيل نقابيي المحافظات في المجالس، وكل ذلك من أجل ألا"يتفرد تيار واحد"في قيادة نحو 130 ألف نقابي، كما قال وزير الداخلية سمير الحباشنة، في اشارة الى الإسلاميين. وعملياً، لا تستطيع النقابات أن تفعل شيئاً لإسقاط القانون في البرلمان، في ظل مطالبة 56 من أعضاء المجلس النيابي ال110 الحكومة بوضع قانون للجسم النقابي، ما يعني أن الأزمة التي تثير انتقاد واشنطن ومنظمات عالمية في شأن الحريات وحقوق الإنسان، ستزداد تعقيداً، نظراً الى أن الاصطفاف سيتسع أكثر فأكثر ضد الحكومة التي ستجد نفسها في مواجهة الأحزاب والنقابات والشخصيات المستقلة، ومعها تقارير تتساءل عن الديموقراطية والإصلاح والتنمية السياسية تصدر من عواصم دائنة أو مانحة للأردن، الأمر الذي يجعلها أكثر تشديدا في القبضة الأمنية على المجتمع وقواه، مستفيدةً من دعم البرلمان وسيطرتها على وسائل الصحافة والإعلام بسندات الملكية وب24 قانوناً"تنظم"الطباعة والنشر. ما يفعله النقابيون الذين قرأوا تفاصيل مشروع القانون في الصحف هو إثبات بطلان بنوده، واعتباره"تراجعاً جديداً عن الديموقراطية يعود بالبلاد الى الأحكام العرفية". ويقول نقيب المحامين السابق صالح العرموطي ان القانون الحكومي"سيؤدي الى خلخلة وضع النقابات ومراكزها القانونية التي استقرت على مدى نحو نصف قرن"، موضحاً أن"النقابات قانونياً مؤسسات خاصة لا يجوز أن تراقبها الحكومة مالياً"، مستغرباً"تعديل القانون من دون التشاور مع النقابيين". ويؤكد رئيس لجنة الحريات العامة في نقابة المهندسين ميسرة ملص أن"الهيئات المركزية في النقابات هي صاحبة الصلاحية بالتوصية للهيئات العمومية بمشروعات القوانين"، مشيراً الى أن اللجنة الوزارية المكلّفة وضع مشروع القانون والتي تتألف من وزراء الداخلية والعدل والشؤون القانونية والبرلمانية"لا تضمّ الوزراء المعنيين بالنقابات حسب القوانين السارية"مثل وزير الصحة الذي تتبع لوزارته النقابات الطبية، ووزير الأشغال الذي تشرف وزارته على نقابة المهندسين، ووزراء الزراعة، ما"يؤكد أن مشروع القانون جاهز ومنسجم مع السياسات غير الديموقراطية، ويهدف الى تقييد حرية النقابات بالتعبير عن رأيها في القضايا الوطنية والقومية". أما الحكومة التي تبدو مصممة على تحجيم النقابات في المشهد السياسي، والمضي في المعركة مع الأحزاب والقوى المدنية الى نهايتها، فتؤكد في المقابل أن"القانون يستهدف تصويب أنظمة النقابات وقوانينها، من دون المس بإلزامية العضوية فيها"، وفقاً لوزير الداخلية سمير الحباشنة الذي يشير إلى أن"أموال النقابات التي يتم تحصيلها وفق أسس مهنية يجب أن تنفق وفق ذات الأسس داخل إطار الدولة الأردنية، بحيث يكون هناك لجنة مراقبة من النقابات تعمل بخط متوازٍ مع ديوان المحاسبة"الحكومي. ويدافع الوزير بأن"الهدف من القانون توسيع قاعدة المشاركة وتحويل مراكز المحافظات المهنية إلى مراكز فاعلة كما هي عمّان، من حيث التأثير في صنع القرار والمشاركة في قيادة النقابات"فضلاً عن أن الانتخابات بنظام"الصوت الواحد"ستؤدي إلى"تغليب المعايير المهنية وكسر الاصطفافات السياسية، من خلال وجود هيئات وسطية للنقابات تنتخب النقباء، مع مراعاة التخصص والتمثيل الجغرافي"، وتالياً"سيكسر ذلك تفرد التيار الواحد"أي الإسلاميين الذين يحتلون 17 مقعداً في البرلمان، مكّنتهم من استجواب الحباشنة على نحو مُحرج في البرلمان، إذ تعرضوا لتاريخه السياسي من معارض يساري ومعتقل الى وزير للداخلية يقود"هجمةً حكومية"ضد المعارضة المرخصة والنقابات المسيّسة. وضمن هذا السياق، فإن المعركة التي تخوضها الحكومة ضدّ النقابات تحت رغبة إسكات الأصوات المعارضة للداخل والخارج الأميركي والإسرائيلي على منابر النقابات فتحت عيوناً خارجية على ما يحدث في الأردن، في أعقاب اعتقالات واستدعاءات أمنية، طاولت قادة أحزاب وناشطين نقابيين في الدفاع عن حقوق الإنسان، وغلق مقر النقابات المهنية أكثر من مرة، قبل استخدام القوة ضد ثلاثة نواب إسلاميين ونقابيين آخرين. فالرئيس جورج بوش حث الشهر الماضي"الأردن على تطبيق الديمقراطية"في سياق الإجابة عن سؤال صحافي حول رأيه في اعتقال الناشط النقابي علي حتّر قبل شهرين، بسبب آراء سياسية طرحها في محاضرة، ووزارة الخارجية الأميركية عبّرت بلهجة مغايرة هذا العام عن انتقادها"لأداء الحكومة الأردنية في مجال حقوق الإنسان ما زال يعكس وجود انتهاكات، إلى جانب وضعها قيودا على حرية التعبير المكفولة في الدستور الأردني". المهم أن أزمة الحريات وحقوق الإنسان التي دفعت المعارضة الى إرسال مذكرة الى الملك عبدالله الثاني تناشده"إقالة الحكومة"التي غيّرت أيضا قانون الأحزاب مرشحة للتفاقم ومفتوحة على مخاوف كثيرة في بلاد أطلقت مشروعين للتنمية السياسية والإدارية، وتحاول غلق عجز المديونية المثقلة بالديون الخارجية والإنفاق الحكومي، وفي الوقت نفسه تواصل الطموح بجذب الاستثمارات العربية والعالمية لتساهم في محاربة الفقر والبطالة.