مجموعة من الباحثين ورشة عمل. النقابات المهنية في الأردن وتحديات التحول الديموقراطي. دار سندباد للنشر، عمان. 2000. 253 صفحة. يشتمل هذا الكتاب على أحد عشر بحثاً/ ورقة عمل جرى تقديمها، ومناقشتها، في ندوة عقدها مركز الأردن الجديد للدراسات، وتناولت جوانب أساسية من تاريخ النقابات المهنية ودورها في الحياة السياسية الأردنية، منذ نشأتها مطلع الخمسينات، وحتى ما بعد "التحول الديموقراطي" الذي بدأ أواخر الثمانينات. وكان الهدف من الندوة - وسواها من الندوات التي يعقدها مركز الأردن، بحسب هاني الحوراني مدير المركز - توفير "منبر حر للدفاع عن مشروعية دور النقابات المهنية في الحياة العامة، بقدر مشروعية دورها في الدفاع عن مصالح اعضائها وتطوير أوضاعهم المهنية والمعيشية"، ايماناً من المركز بأن النقابات "يمكن ان تكون احدى الروافع المهمة لتفعيل الممارسة الديموقراطية في الأردن، ولدفع العملية الديموقراطية الى امام، وهي العملية التي شهدت تراجعاً مؤسفاً في السنوات السابقة". من الجوانب المهمة التي تناولتها ابحاث الندوة، الخصائص المؤسسية والديموقراطية الداخلية في النقابات، من حيث البناء المؤسسي وخصائصه، ومن حيث المعايير وآليات ممارسة الديموقراطية، والعضوية، ومشاركة المرأة، وعلاقات العمل والحقوق النقابية، وموقع النقابات في المجتمع المدني. وفي حين أظهرت أوراق العمل والمناقشات أهمية مكانة النقابات المهنية، باعتبارها ركناً من أركان المجتمع المدني، وأهمية الدور الذي تضطلع به في المجالين العام والمهني - النقابي، طرحت ورقة الحوراني "نظرة تاريخية على تطور الدور السياسي للنقابات المهنية 1950/1989"، سؤالا يتمثل في محاولة فهم أسباب تشبث النقابات بدورها السياسي بعد 1989، بعد ان خرجت الأحزاب السياسية المعارضة الى العلن، واستعادت شرعية وجودها. وهذا السؤال حظي بقدر كبير من المناقشات، من دون الوصول الى اجابات شافية، بل بدا السؤال مولّد أسئلة بلا نهاية. بعد عرض تاريخ النقابات، وتكريسها دورها كرافعة رئيسة من روافع النضال الديموقراطي الأردني، طوال العقود الأربعة التي تلت تأسيسها، وبيان المراحل التي مر بها دور النقابات وعلاقتها بالنظام وبما يجري في الأردن ومحيطه، يخلص الحوراني الى ان عشر سنوات على "افتتاح العملية الديموقراطية أظهرت انغماساً متعاظماً للنقابات المهنية في الشأن السياسي"، ولم تستطع لا العودة الى استئناف الحياة البرلمانية، ولا استعادة الأحزاب المحظورة علنية وجودها، ولا تجميد الاحكام العرفية وإلغاء قانون الدفاع، ان تدفع النقابات الى تخفيف نشاطها السياسي. في المقابل وفّر ذلك كله المزيد من الحوافز والمناخات التي دفعتها الى الانغماس في العمل السياسي أكثر فأكثر، ودفع الآخرين للتسليم بدورها نتيجة عاملين رئيسيين: الأول انحسار المرجعيات العقائدية وضمور الجاذبية السياسية للأحزاب القومية واليسارية، في ظروف انهيار الاتحاد السوفياتي، وضرب العراق ومحاصرته، والعامل الثاني تخبط الموقف الحكومي من النقابات، والمراوحة بين شهر الحملات ضدها والطعن بدستوريتها والتنديد بدورها السياسي، وبين التسليم من دون تحفظ بهذا الدور، بل السعي الى استرضائها في اطار سياسة رسمية تغمز من طرف الأحزاب السياسية وتذكر بفشلها وترفض توفير الحد الأدنى من متطلبات تحولها الى مؤسسات فاعلة في اطار النظام السياسي. وتأخذ الدراسة على النقابات اغفال ضرورة تطوير بنيتها الداخلية وقوانينها، وعدم التوازن بين الدورين المهني والسياسي - لمصلحة السياسي "لجاذبيته الجماهيرية وسهولة ادائه". كما ان هذا الدور السياسي تميز "بطغيان الهم القومي والفلسطيني على الهم السياسي المحلي"، ما جعل النقابات تفتقر الى "المبادرة الذاتية في التصدي لمشكلات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهي غالباً ما كانت تتحرك تحت ضغط الحوادث أو القوى السياسية أو المطالب القاعدية". في اطار الحديث عن القوانين التي تحكم بنية النقابات وأداءها، داخلياً، أجمعت البحوث على ديموقراطية الحياة الداخلية والانتخابات التي تجرى في معظم النقابات، على رغم ما يؤخذ على بعضها من نقص في الديموقراطية. فثمة قوانين تحتاج الى تطوير، وهناك ممارسات في العملية الانتخابية تحد من ديموقراطيتها، كتراجع نسبة المشاركين في الانتخابات لأسباب تتعلق، غالباً، بعدم قدرة الأعضاء على تسديد مساهمات أو اشتراكات مالية. وعن دور المرأة في الحياة المهنية والنقابية، تقدم باحث وباحثة بعرضين لظروف عمل المرأة، فتبين أن معظم قوانين النقابة لا تنطوي على أي تمييز ضدها. فباستثناء مسألة التأمينات والتقاعد التي يلاحظ وجود تمييز فيها لمصلحة الرجل، حيث لا يمكن المرأة التي تدفع رسم تأمين صحي شمول زوجها وعائلتها به، ولا يمكن المرأة التي تشارك برسوم التقاعد ان تفيد عائلتها من تقاعدها، تبدو القوانين الأخرى غير منحازة. لكن المشكلة ليست في القوانين، بل في تطبيقها الذي لم يتح حتى الآن - على سبيل المثال - وصول امرأة واحدة الى منصب نقيب في أي من النقابات المهنية. بل ان تمثيل النساء في مجالس النقابات لا يعكس ثقلهن العددي. والمسألة هنا ترتبط بقوة الافكار الاجتماعية السائدة. فالمرأة تُعبأ وتحشد في العملية الانتخابية لمصلحة الرجل، الأمر الذي دعا امرأة رائدة في العمل السياسي والنقابي والنسوي ليلى نفاع الى اعتماد نظام "الكوتا" النسائية في المجالس النقابية لتشجيع النساء ومساعدتهن في التغلب على العقبات. وحددت الباحثة خديجة الحباشنة حجم الكوتا بنسبة 25 في المئة "كإجراء من شأنه تشجيع المرأة على المشاركة، وضمان تمثيلها بما يتناسب مع حجم مشاركتها". فهل تقتصر مشاركة المرأة على 25 في المئة من نسبة النساء في المجتمع، أم أكثر، أم أقل؟ أما كون النقابات المهنية جزءاً من مؤسسات المجتمع المدني، فقد أثار رأيين متعارضين، الأول يرى ان هذا يفترض ابتعادها عن العمل السياسي وتفرغها للعمل المهني وتطويره، ويرى الثاني أن الفصل بين المهني والسياسي ليس مجرد اجتهاد تنظيمي واجرائي شكلي بل ينطلق من مصالح اقتصادية سياسية كبرى. وفي ظروف مجتمعنا، كما يرى احز الباحثين، لا يستطيع الناس ترك السياسة للسياسيين. فالسياسة شأن عام يشارك فيه المواطنون عامة، وكل من يرتقي لديه الحس المدني يصبح مهتماً بالسياسة من دون ان يعني هذا ان يحترف المواطن العادي العمل السياسي. ومن جهة ثانية، من الخطأ الافتراض ان الحظر الرسمي على نشاط الأحزاب السياسية - منذ الخمسينات حتى آخر سنة في الثمانينات - والحضور الضعيف لهذه الأحزاب في التسعينات، هما السبب الذي وحده يفسر النشاط السياسي للنقابات. فهذا النشاط ينبثق من خصوصية النقابات المهنية التي تضم، غالباً، عناصر الطبقة المتميزة بحساسية شديدة للشأن الوطني العام والسياسي، وهي الفئة الأسرع في التقاط المتغيرات الكبرى وتأثيراتها المحتملة على المجتمع. كما ان الهاجس السياسي للنقابات المهنية، في جانب منه، تعويض موضوعي لضعف دور النقابات العمالية. يثير المشاركون في هذا الكتاب حوالي اربعين باحثاً ومتخصصاً ونقابياً اشكاليات العمل النقابي وأسئلة علاقته بالعمل السياسي من جهة، وبمستوى التطور الذي وصل العالم اليه في مجالات التكنولوجيا والمعلوماتية ودورها في تطوير المهنة من جهة ثانية، في حين يركز البعض على القوانين والتشريعات والمواثيق الدولية. ويبقى ان ما يسمى ب"التحول الديموقراطي" ليس هو الديموقراطية عينها. بل حتى هذا "التحول" يطرح سؤال الاتجاه والعمق. ففي اي اتجاه حدث هذا التحول، والى أي عمق بلغ؟ التحول الحقيقي الذي جرى في الأردن في نيسان ابريل 1989، كان على قدر من الشكلانية والسطحية يُتيح للمرء القول انه مجرد تجديد لأدوات السلطة واعادة انتاج لها في اطار التصدي لمنع محاولات التغيير الحقيقي. وليس رفع الأحكام العرفية ولا عودة البرلمان واستعادة الأحزاب علنيتها سوى خطوات سرعان ما جرى الالتفاف عليها بتنظيرات وممارسات لا تمت بصلة الى الديموقراطية. بل ان للكثيرين الحق في "الترحم" على مرحلة الأحكام العرفية، اذ كانت قبل التسعينات احكاماً معلنة، أما الآن، فتُمارَس بوسائل أخرى.