تتحرك السلطات في منطقة الخليج بإصرار منقطع النظير، وعلى مختلف الجبهات، لمواجهة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وذلك منذ أحداث أيلول سبتمبر، بدءاًَ من إصدار قوانين صارمة، ومرورا بتعقب حسابات وودائع واستثمارات الشركات وتجميدها، وانتهاء بإدراج تقنيات حديثة في المصارف لرصد أي تجاوزات في المستقبل. وقدر متخصصون في مكافحة غسل الأموال في المصارف الخليجية على هامش ندوة عقدت في دبي أمس حجم الأموال التي جمدتها السلطات في المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية بأكثر من 530 مليون دولار. وتوجت المنطقة التي تعد عضوا فاعلا في اللجنة الدولية لمكافحة عمليات غسل الأموال جهودها التي بدأتها في أعقاب التفجيرات في الولاياتالمتحدة عام 2001، بملاحقة اكثر من 100 شركة ومؤسسة وتجميد كميات كبيرة من الأموال، كانت موزعة على عشرات الحسابات المصرفية، وذلك تنفيذا لقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بمكافحة تمويل الارهاب. وقال هؤلاء ل"الحياة" خلال الندوة التي تحمل عنوان "استراتيجيات مكافحة الجرائم المالية" إن وحدات مواجهة غسل الأموال والحالات المشبوهة في المنطقة زودت جهات ومنظمات دولية بيانات عن عشرات الحالات المرتبطة بمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال، خصوصاً في السعودية والامارات. وقال مانع الدهان من "البنك السعودي الأميركي"، إن لدى كل مصرف في المملكة العربية السعودية وحدة لمكافحة غسل الأموال، وان التحويلات النقدية ممنوعة تماما. ويقدر حجم عمليات غسل الأموال على مستوى العالم بنحو 5.1 تريليون دولار أميركي سنوياً، ينتج 50 في المئة منها عن تجارة المخدرات والبقية موزعة بين تجارة الأسلحة والدعارة وغيرها من الجرائم، في حين تستطيع الحكومات رصد ومكافحة ما نسبته 40 إلى 50 في المئة فقط من هذه العمليات. ووصل إجمالي المبالغ التي جمدتها الإمارات، نحو 3.13 مليون دولار أميركي موزعة على 18 حساباً مصرفياً داخل الدولة. كما زود المصرف المركزي جهات دولية بيانات عن عشرات الحالات المرتبطة بمكافحة تمويل الإرهاب. ونظمت الإمارات عملية الحوالة المصرفية وشددت الرقابة عليها، إذ أصدرت 55 ترخيصا لوسطاء الحوالة منذ أن اكتسب نظام الحوالة صفة شرعية منتصف العام الماضي، كما أصدر المصرف المركزي إشعاراً إلى الصرافات العاملة في الدولة، طالب فيه بتسجيل بيانات الأشخاص أو المنشآت المالية التي تقوم بتحويل مبلغ يزيد على ألفي درهم والتثبت من الهوية الصحيحة عن طريق معاينة إحدى الوثائق الأصلية. وبادرت الحكومات الخليجية الأخرى، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، باتخاذ إجراءات صارمة، وقالت مصادر مصرفية خليجية إن المملكة جمدت 41 حساباً مصرفياً تعود ملكيتها لسبعة أشخاص ويصل إجمالي حجمها الى خمسة ملايين دولار. أما الكويت فوضعت هي الأخرى ضوابط واتخذت إجراءات ضد الجمعيات غير الملتزمة بقرارات تنظيم العمل الخيري، وأخضعت عملية جمع الأموال من قبل هذه الجمعيات للترخيص المسبق من وزارة الشؤون الاجتماعية، "وذلك حتى لا تستغل التبرعات في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، على حد تعبير أحد المصادر. وانشأت الكويت "وحدة التحريات المالية الكويتية"، وهي وحدة مستقلة يرأسها محافظ المصرف المركزي الكويتي وتقوم بمهمات استلام البلاغات عن عمليات غسل الاموال الواردة من النيابة العامة بغرض درسها وابداء الرأي الفني فيها. وطالب بنك الكويت المركزي المؤسسات المالية بالالتزام بعدم الاحتفاظ بأي حسابات مجهولة الهوية او حسابات بأسماء وهمية او رمزية او فتح مثل هذه الحسابات. من جهتها اصدرت قطر قانونا في شأن غسل الاموال، أتبعته بسلسلة من التعميمات، اذ بعثت بتعميم الى جميع شركات التأمين العاملة في الدولة لاتباع اجراءات احترازية ومراقبة التحويلات والايداعات، والتأكد من هوية العميل وبيان حالته المالية ومصدر امواله واسباب اجراء التأمين وصافي الدخل السنوي خلال السنوات الثلاث الاخيرة وعقود تأمينات الحياة والادخار. وحدد قانون غسل الاموال في قطر سلسلة من العقوبات الصارمة ضد المخالفين، تشمل أحكاما بالحبس والغرامة ومصادرة تلك الاموال .