الكتاب: "خريف العرب: البئر والصومعة والجنرال" الكاتب: الصافي سعيد الناشر: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام - 2005 يتناول الكتاب الموسوم"خريف العرب"للباحث التونسي الصافي سعيد الانعطافات الكبرى في العالم العربي منذ العام 1258 الى 2003، وذلك عبر قراءة نقدية للحرب الأهلية الدامية بين توأم العروبة والاسلام التي انتهت الى التدمير الذاتي المتبادل. وإذ يتناول الكتاب فصولاً تحليلية لتركيبة السلطة ونشأتها في العالم العربي من خلال ثلاثية البئر النفط والصومعة الاسلام والجنرال الانقلابات، يخلص الى أن الصدام الدامي بين العروبة والاسلام قد أفرغ الفضاء الجيو- سياسي العربي والاسلامي من محتواه بعدما أنهى ما كان يسمى بالامبراطورية العربية، كما أنهى ما كان يسمى باسترداد دار الخلافة الاسلامية. ويشير الباحث سعيد إذا كان العالم العربي أصبح بلا قلب، فإن الاسلام العربي بات بلا عقل... أي العاقل الكامل بالمفهوم الهيغلي والذي تجلى في مؤسسة"الدولة"، ومن المؤكد ان الاسلام قد سعى من اللحظة الأولى الى تكوين دولة فضاء جيو ? سياسي، وقد جاء تعامله مع الدول الأجنبية لاعتقاده بأن"أمة الاسلام"يجب أن توضع الى جانب الامم ذات السيادة. لقد بدأت علامة الاسلام بالعقل منذ بدء عصر الخلفاء الراشدين، وجاءت الدولة بمفهومها السياسي والقانوني لفرض نفسها وتؤسس لعلاقة أخرى بين الناس داخل فضاء جيو - سياسي ما انفك يتوسع بتوسع المجال الاجتماعي والثقافي لأولئك الناس، خصوصاً بعدما عكست الفتنة الكبرى، قطيعة تامة بين النقاء الديني والاختلاط السياسي، أو بين موجات الوجدان الديني، وموجات العقل السياسي، إلا ان انتصار السلالة الأموية التي تصدت لبناء القيادة والسيادة الدولة ذات المجال الامبراطوري حسمت تلك الفتنة بأن دمجت بين الدين والسياسة حين بعثت مركزاً جديداً لقيادة ما بعد الوحي، أي بناء مرحلة العقل/ الدولة. في ضوء ذلك ولدت العروبة في بداية القرن العشرين مخدوعة، مشحونة بالذعر والريبة ومسحورة بالغرب ودغدغاته الخادعة، حتى توغلت في لغة الدم المفتوحة على الاستقواء بالخارج. وهو ما أدى لاحقاً الى تفكيك القواعد والأعمدة الأساسية، وأضحى العرب بلا قلب بعد إفراغ"الكيان"من محتوياته وتجريده من معناه بعدما تم نزع كل شيء: النفط، والسلاح، والأرض والدين والسيادة ل"شيطنة"الثقافة العربية الاسلامية وإبرازها كمشكلة حاضنة للإرهاب والعنف والاستبداد. إن هدم الصوامع وتجفيف المنابع لم يعودا رغبة"كافية"في"لا وعي"الخارج القوي، بل هي باتت سياسة منهجية ومعتمدة في أرض باتت مفتوحة على السلب والغزو في عودة عارمة نحو الفوضى... تحكمها ثنائيات متداخلة ومتفاوتة مثل المخزن والسيبة، المتاع والمشاع أو الريع والترويع أو الترهيب والترغيب، وصولاً الى تدمير"الكيان"الحاضن لتوأم العروبة ? الاسلام، تدميراً كاملاً. ولكن ما هي مسؤولية السلطة السلطات القائمة عما آلت اليه حال العرب ? الإسلام؟ من الطبيعي القول انه كلما ضاق المكان بسكانه، كشف عن عجز السلطة في استثمار المكان، وكلما مالت السلطة للاستبداد، ازداد عجزها... وأصبحت المنظومة الاستبدادية والكليانية تستند الى غموض الخطاب وصلابة السلطة وضعف المجتمع المدني، ولكن الطغيان لا يستمر طويلاً في"اللامكان"، أي في المكان غير القابل للسيطرة، لذا فإن تقسيم المكان الى وحدات صغيرة فأصغر هو من آليات هندسة الطغيان، إلا أن الحريات لا تنمو في المساحات الصغيرة لأن المكان الفسيح هو أكثر قدرة على استيعاب حياة أكثر رحابة وتنوعاً، مثلما ان الحريات هي السند الوحيد لأي بنيان اجتماعي ومن دونها، أي بتعويضها بنظام سلطوي زجري وقمعي، يصبح البنيان الاجتماعي لأي بلد يسير وفق ارادات خارجية وغريبة، نحو العصيان والانفلات بجميع أشكال"المقاومة السلبية". وهذه المقاومات السلبية والايجابية منها، جميعها تتغذى من الإرث السائد. انها تسير بمقولاتها وخطابها الى التطابق مع خطاب السلطة الأبوي السائد، فهي تؤثث للمستقبل من دون أية تحديدات لذلك المستقبل، أي من دون إعادة أو مراجعة لهندسة ذلك المستقبل، وبذلك تصبح غالبية هذه المعارضات شبيهة ببعض الفقهاء الذين"يبشرون"بالجنة ومشتهياتها من دون معرفة مكان وجود هذه الجنة. إن معظم هؤلاء يعتقدون بأن التغيير يتم في التحول من نظام الطغيان والاستبداد الى النظام الديموقراطي، ولكن مأزق الديموقراطية هو في السوسيولوجيا العربية، غير ان اوروبا الموحدة والتي تحاربت طويلاً لم يقدها الى الاندماج الحزب الواحد أو الديكتاتوريات العسكرية، وإنما التعددية أو الديموقراطية هي التي أخرجتها من الحروب والتشتت الى التوحد. ولا شك في أن الاسلام السياسي إذا ما هضم داخل التعددية الثقافية والسياسية وبات معترفاً به كمكون أساسي للعرب، لن يمنع من إنشاء"عرابيا"متعددة ومتكاملة ومندمجة.