تواجه الصحف في أنحاء العالم أزمة مبيعات والأسباب متعددة، تختلف من بلد إلى آخر ومن منطقة من مناطق العالم إلى أخرى، من بينها ما هو تقليدي، كتقلب سوق الإعلانات، والمنافسة بين الصحف، وما هو مستجد، كالتغييرات في تركيبة المجتمعات التي أثّرت في ما يقبل القارئ عليه، وما هو من سمات العصر، كالمنافسة التي تمثلها الوسائل الإعلامية الأخرى، ولا سيما الفضائيات والإنترنت. ففي بريطانيا، بدأت تذوب الفروق في التصنيف بين الصحف التي تبيع على صعيد البلاد كلها يبلغ عددها 12، بحسب وصف صحيفة "إنترناشونال هيرالد تريبيون" الأميركية التي أفردت أخيراً محوراً لموضوع مبيعات الصحف. "كانت الصحف البريطانية، كقرائها، تعرف مجالها. فقد كانت إما صحفاً كبيرة الصفحات برودشيت تغطي برزانة المواضيع الجدية لليوم، أو صحفاً صغيرة الصفحات تابلويد تهتم بالقضايا الخفيفة". وأضافت الصحيفة: "مع تراجع المبيعات، تجرّع معظم الصحف الجدية منذ وقت طويل كأس أخبار المشاهير والفضائح بعد طول تمنّع. وقبل وقت قصير، تحولت صحيفتان من شكل البرودشيت إلى شكل التابلويد. وفيما تبحث الصحف المجانية عن مكان لها، لا تزال الإنترنت تستقطب القراء على مختلف مشاربهم". السوق الاعلانية ونقلت الصحيفة التي تصدرها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية من باريس وتبيعها خارج الولاياتالمتحدة، عن خبراء قولهم إن السوق الإعلانية في بريطانيا تنتعش بعد ركود دام ثلاث سنوات، ولذلك تبدو التوقعات الى المستقبل القريب بالنسبة الى الصحف البريطانية وردية. "لكن بالنسبة الى المستقبل البعيد، سيكون على القطاع أن يتعامل مع تراجع مستمر للمبيعات ومع سوق تبدو مزدحمة. ومع أن المنافسة كانت مفيدة للصحافة، يرى رؤساء التحرير أن المنافسة المدفوعة بضغوط اقتصادية تنفر من القراء أكثر مما تجذب منهم". ومع أن الخبراء أشاروا إلى أن الاندماج بين الصحف البريطانية قد يكون الحل، أشارت "إنترناشونال هيرالد تريبيون" إلى أن هذه الصحف لا تزال تصر على البقاء مستقلة، على رغم اعترافها بأن التغييرات آتية لا محالة. انتقلت "تايمز" و"إندبندنت" من شكل البرودشيت إلى شكل التابلويد العام الماضي، وتنوي "غارديان" اللحاق بهما، لكن إلى شكل متوسط بين الشكلين، وذلك بعد تركيب المطابع المطلوبة مع نهاية العام المقبل. وفيما تحاول "تايمز" تحديث مطابعها للحاق ب"دايلي تلغراف"، منافستها التقليدية التي فاقتها لناحية المبيعات، عمدت "دايلي تلغراف" وشقيقتها "صنداي تلغراف"، بقرار من مشتريهما الجدد، إلى فصل 90 صحافياً، أو 17 في المئة من طاقمهما التحريري، لتمويل مطابع جديدة، بحسب "إنترناشونال هيرالد تريبيون". وفيما تتنافس "تايمز" و"دايلي تلغراف" على موقع الصحيفة الأولى لدى الأوساط اليمينية و"إندبندنت" و"غارديان" لدى الأوساط اليسارية، تحاول "تايمز" و"إندبندنت" اقتحام أوساط الوسط حيث تتنافس "دايلي مايل" و"دايلي إكسبرس". وقالت الصحيفة الأميركية إن وسيلة التنافس هي العناوين المثيرة حول قضايا مثل "طالبي اللجوء، والجراثيم، والألمان". التابلويد وذكرت الصحيفة الأميركية ان صحف التابلويد تغيرت بدورها. فعلى رغم أن هذه الصحف معروفة باسم "الأسماء الحمر" لأن أسماءها باللون الأحمر، حولت صحيفة "دايلي ميرور" اسمها إلى اللون الأزرق تعبيراً عن رغبتها في التغيير، بعدما انهارت مبيعاتها بسبب فضيحة ألمت بها العام الماضي حين نشرت صوراً مزيفة لجنود بريطانيين يعذبون أسرى عراقيين. ولا تزال صحيفة "صن"، وهي مثل "دايلي ميرور" مملوكة من قبل "نيوزكورب" لصاحبها الشهير روبرت مردوك، تحتل المرتبة الأولى بين صحف التابلويد البريطانية، لكن مردوك اعترف بأن صحيفة مجانية باسم "مترو"، توزعها "دايلي مايل" في قطار الأنفاق، حرمت "صن" مبيع ما بين 30 ألفاً إلى 40 ألف نسخة يومياً. والمفارقة أن "مترو" تهدد مبيعات شقيقة "دايلي مايل"، "إيفنينغ ستاندارد" التي تصدر في المساء، ما دفع الأخيرة إلى نشر طبعة ظهرية مجانية، بحسب "إنترناشونال هيرالد تريبيون"، التي نقلت عن خبراء توجهاً لدى "إيفنينغ ستاندارد" لأن تصبح مجانية. ونقلت الصحيفة الأميركية عن خبراء قولهم إن الصحف المجانية، وإن كسرت تقليد الحصول على الأخبار لقاء المال، فهي تشجع الشبان على القراءة وتبشر بنهاية حرب الأسعار المدمرة بين الصحف البريطانية التي لم تهدأ إلا قبل فترة وجيزة.