يحاول العاملون في صناعة البرمجيات Software تهيئة ظروف مناسبة لبلورة صناعة قوية سورياً، خصوصاً ان العمل يجرى في سوق كامنة كبيرة نسبياً، اذ يصل عدد السكان راهناً الى عشرين مليون نسمة. وفي المقابل، فان سوريى لم تشهد لحد الآن صناعة برمجيات بالمعنى الدقيق للكلمة. عن البيئة القانونية... على رغم الاهتمام الرسمي المعلن بقطاع تكنولوجيا المعلومات، لا يزال التعاطي القانوني مع تلك الصناعة متخلفا بوجه عام، وتحكمه قوانين التجارة التقليدية، وكأن الثورة العالمية في الاتصالات والمعلوماتية لا تشكل شيئاً مختلفاً بطريقة نوعية! وعلى سبيل المثال، تتعامل القوانين مع الشركات المتخصصة في الصناعة الرقمية كما مع أي محل أو ورشة تجارية أخرى. وتنظيمها من خلال سجل تجاري بحت، لا يشير إلى أنها شركات ل"سوفت وير"الكومبيوتر. إضافة الى ذلك، يشكو العاملون في تلك الصناعة من غياب قوانين قوية مناسبة عن مسائل اساسية مثل حماية الملكية الفكرية، والطبيعة الخاصة للتجارة الإلكترونية، والتصنيف القانوني للتوقيع الإلكتروني، وتشكيل هيئة المصادقة على الوثائق الرقمية وغيرها. فمن دون هذه المقومات الأولية يبدو من المستحيل جذب استثمارات مالية لهذا القطاع. ويشير المهندس محمود عنبر، رئيس منتدى البرمجيات في"الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية"، إلى ان وجود بند قانوني لحماية الملكية الفكرية في مجال البرمجيات،"لم يحل دون اتمام العقود الحكومية وفق صيغ عقد الإذعان، والتي لا تصلح أساساً في مجال البرمجيات". وينبّه الى ان هذا الأمر"يزيد من الفوضى، ومن حالات الانتهاك للملكية، وخصوصاً في ظل عدم وجود جهات قادرة على تقدير ما هو مقبول لحماية حقوق الزبون، وما هو انتهاك مادي لحقوق الملكية الفكرية لصنّاع البرمجيات الرقمية وشركاتها". و ترتبط هذه المشكلة مع الاسئلة عن الاستراتيجية الوطنية في مجالي المعلوماتية والاتصالات، على رغم ان وزارة الاتصالات طرحت مثل هذه الاستراتيجية كمسودة منذ نحو عامين ولم يحث شيء بعدها! ادت هذه المؤشرات كلها الى تأخر إنجاز البنية التحتية للمعلوماتية بالصورة المطلوبة، مما ينعكس ضعفا في استخدام الانترنت في سورية، مقارنة مع الدول المجاورة كالاردن ولبنان. و تشير المعطيات الى وجود نحو 160 ألف مشترك رسميا على مستوى القطر، أي ما يعادل نصف مليون مستخدم للانترنت على افتراض أن ثلاثة أشخاص يدخلون مع المشترك الواحد. البيروقراطية والضعف المعلوماتي قبل فترة وجيزة، وضع الدكتور راكان رزوق عميد كلية المعلوماتية في جامعة دمشق، والمهندس عنبر، دراسة بعنوان"صناعة البرمجيات: الواقع ومستلزمات التطوير". واشارت الدراسة الى أن حجم أعمال شركات البرمجيات الوطنية صغير إذا ما قورن بحجم أعمال شركات التجهيزات أو بحجم أعمال شركات البرمجيات في المنطقة العربية والعالم. وتمتلك هذه الشركات عدداً قليلاً من الخبرات المتميزة في مجالات التخصص الدقيق، وتعاني من نقص الموارد البشرية المتخصصة، واستثماراتها ضعيفة. وتنبه الدراسة الى ان التنظيم الاداري المعتمد لدى معظم شركات البرمجيات الوطنية، يعاني من اثقال البيروقراطية ذات التنظيم الهرمي التقليدي. وفي بعض الاحيان تكون البنية الهرمية أكبر بكثير من القدرات البشرية المتوافرة! وفي غياب الارقام الدقيقة عن عدد هذه شركات برمجيات الكومبيوتر سورياً، يتحدث عنبر عن وجود نحو 50 شركة لديها حجم مبيعات وسطي قدره نحو 500 مليون ليرة سورية سنوياً أو ما يعادل 10 ملايين دولار. ويعتبر هذا الرقم متواضعاً مقارنة مع الاردن مثلاً، التي صدّرت عام 2002 ما قيمته 40 مليون دولار من البرمجيات، وكذلك مصر التي صدّرت عام 2001 ما قيمته 100 مليون دولار، والتي تخطط ايضاً لتصدير ما قيمته 500 مليون دولار العام الجاري . ويشير عنبر الى مشكلة الضرائب على الصناعة، وعدم مراعاتها لمجال البرمجيات. فثمة صعوبة واضحة في افهام مراقبي الضرائب طبيعة عمل هذه المهنة. ويؤدي الامر الى اللجوء الى تخمينات غير واقعية. ويضيف عنبر أن مراقبي الدخل يعتمدون الطرق التقليدية في حساب كلفة إنتاج البرمجيات، كعدد العاملين المسجلين في التأمينات وفواتير المواصلات وغيرها من البنود التي تصلح لمؤسسة تحوي عمالاً عاديين وليس لمؤسسات تطوير البرمجيات التي ترتكز على الأعمال الاستشارية، وعلى المطورين المستقلين Freelancers ، وبرامج التعاون الدولي، وبرامج التدريب ورخص التطوير ورخص الاستخدام، وغير ذلك من النقاط التي تشكل متاهات ضريبية لا يمكن مقارنتها مع الإعفاءات الضريبية التي تمنح في الدول المجاورة . وتخلص الدراسة الى القول إن صناعة البرمجيات في سورية تعاني من ضرائب مرتفعة، وغياب الاطر القانونية للعمل، وهجرة الكوادرلعى رغم محدودية عددها اصلاً، وعدم وجود استثمارات حكومية، وغياب المعايير، وانعدام البيئة الجاذبة للاستثمارات وغيرها.