بدأت القمة الاوروبية اعمالها في بروكسيل أمس، وسط اجواء طغى عليها الجدل الفرنسي الداخلي في شأن الدستور الاوروبي الجديد والمرفق باستطلاعات تشير الى تصاعد نسبة الفرنسيين الرافضين لهذا الدستور الذي سيطرح في استفتاء في 29 ايار مايو المقبل. وكان آخر هذه الاستطلاعات والذي اجراه معهد"ايبسوس"ونشرته صحيفة"لو فيغارو"، أشار الى ان الغالبية 52 في المئة من الفرنسيين ستصوت سلباً في الاستفتاء على الدستور الجديد. ومما ساهم في رفع هذه النسبة، عدم اطلاع الغالبية العظمى من الفرنسيين على نص الدستور الاوروبي الجديد الذي يفترض ان يسهل اسلوب عمل الاجهزة الاوروبية ويضفي مزيداً من المرونة على طريقة اتخاذها لقراراتها، اضافة الى الخلط القائم بين هذا الدستور وانضمام تركيا الى عضوية الاتحاد الاوروبي، وايضاً بينه وبين توصية"بولكشتاين"لتحرير سوق الخدمات في اوروبا. ويساعد على هذا الخلط بعض السياسيين الرافضين للدستور الجديد من امثال رئيس حزب"التجمع من اجل فرنسا"فيليب دو فيلييه الذي لوح بأن اقرار الدستور يمهد لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، على رغم عدم وجود أي ترابط بين الموضوعين. ومعلوم ان الدستور الجديد مشروع اصلاحي لمؤسسات اوروبا وأجهزتها وترابط دولها، في حين ان قضية عضوية تركيا مرتبطة بمفاوضات جديدة سبق ان اكد الرئيس جاك شيراك مراراً انها قد تستغرق اكثر من عشر سنوات من دون ان تؤدي الى مثل هذه العضوية. اما التوصية التي اعدها المفوض السابق فريتز بولكشتاين، وتهدف الى تحرير سوق الخدمات، فأثارت هلع الفرنسيين كونها تضعهم في منافسة مع يد عاملة رخيصة قد تتدفق الى بلادهم من الدول العشر الاوروبية الشرقية التي انضمت الى الاتحاد اخيراً. وهنا ايضاً، فإن الخلط اثاره السياسيون الرافضون للدستور الجديد، على رغم عدم وجود أي صلة بين الموضوعين وعلى رغم تأكيدات شيراك القاطعة بأن التوصية غير مقبولة بصيغتها الحالية، ولن تقر ولن تعتمد، خصوصاً انها ليست من صلاحيات المفوضية الاوروبية بل الدول الاعضاء. وأثارت اجواء الغموض المتعمدة هذه، على صعيد الدستور الاوروبي، حفيظة رئيس المفوضية الاوروبية خوسيه مانويل باروسو الذي انتقد الطبقة السياسية الفرنسية بكاملها وحملها مسؤولية المواقف الخاطئة، داعياً اياها الى العمل على توضيح الامور. والواقع ان رفض الفرنسيين للدستور الجديد من شأنه ان يمثل انتكاسة مؤكدة لأوروبا، خصوصاً انه سيؤثر سلباً في مواقف الاوروبيين الآخرين المدعوين للتصويت على هذا الدستور الذي يفترض ان يحقق نقلة الى الامام على صعيد المسار الاوروبي. وأثارت الاجواء القائمة في فرنسا ايضاً استياء بولكشتاين نفسه الذي انتقد الفرنسيين لاطلاقهم اسمه على التوصية التي اعدها، وأكد على زيارة باريس لتوضيح الامور. في المقابل فإن القمة الاوروبية، التي تختتم اعمالها اليوم الاربعاء ستخرج بانتصار صغير يتمثل باقرارها ميثاق الاستقرار الاقتصادي الذي اعده وزراء المال بعد خمسة اشهر من النقاشات ويقضي بتثبيت نسبة العجز لدى الدول الاوروبية بمعدل 3 في المئة من الناتج القومي، ويلحظ امكان تجاوزه في اطار ما يسمى ب"نفقات المستقبل"، أي الاستثمارات التي تستخدم مثلاً في مجال الابحاث، وأيضاً في اطار ما يسمى ب"نفقات التضامن"، أي عمليات الوجود العسكري في الخارج.