كم كانت قوية مشاعر الفخر والفرح بشباب لبنان وابنائه الذين تدفقوا الى ساحة الشهداء حاملين أعلام بلادهم ومطالبين بالحرية والحقيقة حول اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الذي سقط شهيد استقلال راهن عليه ودفع ثمنه بحياته. ووفاة الرئيس الشهيد، حققت له ما لم ينجح بتحقيقه في حياته وهو توحيد اللبنانيين بكل طوائفهم، فحملوا الأعلام وساروا بهدوء مطالبين بحقهم في الحرية ومعرفة الحقيقة حول اغتيال الحريري. فها هو الشباب اللبناني ينتفض، ضد ممارسات قمعت حريته وداست كرامته وجعلته مكبوتاً ويائساً ينتظر الخلاص. تصور العقل المدبر للجريمة المريعة التي أودت بالحريري ومرافقيه وأصابت الوزير باسل فيلمان ان الشعب اللبناني وشبابه سيبقى متفرجاً، مكتف الأيدي وصامتاً. فمات الحريري وكان اغتياله على حد قول مسؤول عربي رفيع اغتيالاً موقتاً للبنان. لكن تصرف الشعب اللبناني والجيش اللبناني وجنوده الذين حرصوا على حماية الشباب المتظاهر رافضين المواجهة، وجلسة مجلس النواب وكلمات النائبة بهية الحريري والنواب مروان حماده وغازي العريضي ونداءات زعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، كلها تشير الى أن لبنان مقبل على مرحلة جديدة من تاريخه وأنه عازم على استعادة استقلاله بعزم ابنائه وارادتهم. لبنان سيكون برهاناً على صحة ما قاله الحريري لسفير ايران في فرنسا بأن"اوكرانيا ليست أهم من لبنان والرئيس الأسد ليس أهم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين". كلمة مروان حماده امام البرلمان التي قال انه"كتبها بالدم وليس بالحبر"كانت كلمة كل لبناني. ففضح الممارسات التي اثبتت للرئيس الشهيد ان حلمه الاصلاحي وخطته لانقاذ لبنان بعد"باريس 2"لا يمكن أن تنفّذ الا في لبنان حر ومستقل. وكان رهانه على انتخابات حرة وحكومة وطنية تستعيد سيادة القرار اللبناني، لكنه قتل ودفع ثمن ذلك. كان حماده شاهداً على كيفية منعه من ممارسة صلاحياته، اذ قال امام البرلمان"اما الديموقراطية والنظام البرلماني فلا تسأل أحداً يا دولة الرئيس، اسألني أنا الذي جلست الى طاولة مجلس الوزراء قبالة دولة الرئيس المكتف الصامت المقموع والمقهور بفعل التآمر على كرامته من ضمن الاعتداء على فصل السلطات وبنود الدستور واصول الحكم". الآن وبعد الاغتيال المأسوي وأمام عزم الشعب اللبناني والدولتين الكبريين الولاياتالمتحدةوفرنسا مطلوب الأخذ بارادة اللبنانيين والأسرة الدولية. ان الانسحاب من لبنان بات ضرورياً ومن مصلحة سورية. سورية لا تريد ان تكون معزولة، فاتفاق الشراكة الأوروبية معها مجمد حتى إشعار آخر، والنمسا أجّلت زيارة الرئيس السوري اليها. والأسرة الدولية كلها مقتنعة بأن نظام الرئيس السوري الشاب ينبغي أن يقوم بخطوات هي لمصلحة لبنان ومصلحته أيضاً. فلا يمكن لسورية ان ترتاح إذا كان لبنان يشهد غلياناً وغضباً. وأحسن جنبلاط في النداء الذي وجهه من المختارة محذراً اللبنانيين من العنصرية من أي لبناني تجاه أخيه السوري. فمن المعيب ان يخاف العمال السوريون وأبناء الشعب السوري من زيارة لبنان في مثل هذا الجو المشحون. ومثلما يحق لكل انسان ان يناضل من أجل حريته واستقلاله، فإنه ممنوع عليه أن يكون عنصرياً إزاء أي كان، لأن العنصرية هي التخلف.