نجحت دار أوبرا القاهرة في تكريم الفنانة شادية عقب رحيلها، بحفلة كانت معدة لتقديمها قبل وفاتها. الحفلة أقيمت في حضور جمهور كبير تحت عنوان «وداعاً شادية»، وأحيتها فرقة عبدالحليم نويرة للموسيقى العربية، وفي خلفية المسرح صورة بحجم كبير للفنانة الراحلة. وشادية (1928- 2017) تعد من الفنانات اللواتي خططن سطوراً من النور في مسيرتهم الغنائية لا تقل عما حققته في مجال السينما. ولدت في القاهرة، واسمها الحقيقي فاطمة شاكر؛ وبدأت مشوارها الفني في العام 1947، وفي العام 1984 قررت اعتزال الفن بعد أن قدمت 112 فيلماً و10 مسلسلات إذاعية، ومسرحية واحدة، وأكثر من 300 أغنية. ويحسب نجاح الحفلة للمايسترو أحمد عامر، الذي قدم برنامجاً أحسن اختيار فقراته فجاء معبراً عن مراحل مختلفة في مشوار شادية الغنائي، ولكن الأهم هو أنه كان ثرياً من الناحية الفنية ويحمل «فكراً» في التنفيذ الموسيقي، إذ استطاع أن يستثمر العناصر الفنية التي لدى الأوبرا من كورال وأصوات منفردة متميزة وعازفين على درجة عالية مِن المهارة، فضلاً عن تنوعٍ في الملحنين والشعراء. البرنامج تكوّن من فاصلين وتضمّن 13 فقرة بدأت بأغنية «ادخلوها آمنين»، كلمات إبراهيم موسى وألحان بليغ حمدي وأداها الكورال المختلط. كما تضمن البرنامج أغنية «يا أم الصابرين» بصياغة جديدة للمجموعة. واستعان قائد الفرقة بكورال الأطفال بتوزيع جديد في كل من أغنية «ماما يا حلوة»، كلمات كمال منصور وألحان منير مراد، والتي شدت بها فرح عادل، وأغنية «بسبوسة»، من ألحان محمد عبد الوهاب وكلمات حسين السيد، وأدتها روضة عصام. وقدّم المايسترو، بصوت مي حسن والكورال، أنشودة «أمي»، ألحان جمال سلامة وكلمات عبد الرحيم منصور. أما المطربة المجتهدة إيمان عبد الغني، فأمتعت الحضور بعملين يمثلان تطوراً في الأداء والتوزيع، سواء في الصوت البشري أو العزف المنفرد، الأول رائعة بليغ حمدي «خلاص مسافر»، كلمات محمد حمزة، والتي تبدأ بالكورال الرجالي الذي يقدم تمهيداً بموّال من دون مصاحبة موسيقية، ويتبادل الغناء مع المطربة الفردية. أما الأغنية الثانية «غاب القمر»، ألحان محمد الموجي وكلمات مجدي نجيب، فتبدأ بالكورال النسائي، فيما أغنية «قولوا لعين الشمس» التي شدت بها نهى حافظ (ألحان بليغ حمدي) فتعتمد على الكورال النسائي والرجالي. وتنتمي الأغنيات الثلاث إلى ذروة نضج صوت شادية. أما لحن عمار الشريعي الذي يعد تطوراً في الأداء وفي التوزيع الأوركسترالي ويعتمد على صوت المطرب، فجاء عبر أغنية «أقوى من الزمان»، كلمات مصطفى الضمراني، وشدت بها مروة ناجي التي قدمت أيضاً أغنية «خد بإيدي»، كلمات علية الجعار وألحان عبد المنعم البارودي. وتضمن البرنامج أغاني الدويتو، فغنى أحمد عفت مع مي حسن «لحن الوفاء» للموسيقي الراحل رياض السنباطي، ومع نهى حافظ «حاجة غريبة»، ألحان منير مراد وكلمات حسين السيد. أما مفاجأة الحفلة، فتمثلت في اعتلاء الملحن محمد علي سليمان خشبة المسرح ليؤدي من ألحانه أغنية «أصالحك بإيه»، كلمات محمد زكي الملاح. حكى سليمان للجمهور حكاية هذا اللحن وكيفية تقديمه لشادية، وكانت هذه الفقرة مميزة، إذ بدأها الملحن الشهير (والد المطربة أنغام) بعزف منفرد على الكمان ثم التقط العود واحتضنه ليشارك الفرقة الموسيقية في أداء هذا اللحن البديع. أداء المطربين كان متميزاً وقد وفق المايسترو في اختيار الأصوات المناسبة للألحان ولصوت شادية في مراحله المختلفة؛ من الشقاوة والدلع إلى النضوج. كما اختار أعمالاً تتضمن عزفاً منفرداً لبعض الآلات، ما أعطى فرصة لإظهار مهارة العازفين.