بات لمحبي موسيقى ال»روك آند رول» في لبنان، موعد سنوي مع أهم الفرق العالمية، وجمهور هذا النوع من الموسيقي في إزدياد دائم، من دون حصره في فئة عمرية محددة. الأمسية التي قدّمتها فرقة «سكوربيونز» (العقارب)، مساء أول من أمس، ضمن مهرجانات جبيل، على مسرح شُيّد على شاطئ البحر، وسط المنطقة الاثرية، أجبر الحضور على الرقص والغناء والفرح والضحك والصراخ. لكن قبل الحديث عن الحفلة، تجب الإشارة الى الدور الاقتصادي والسياحي الذي تساهم فيه مهرجانات الصيف في لبنان، بجذبها سياحاً عرباً وأجانب، إضافة الى إنعاش السياحية الداخلية، والمساهمة في تحريك العجلة الاقتصادية. ففي جبيل مثلاً يعتبر المهرجان مساحة لأهالي المنطقة لعرض منتوجاتهم المحلية، وإبراز مواهبهم من عزف وغناء ورقص ورسم ونحت، وتنظيم معارض تشكيلية. ويُسجل على إدارة المهرجان تركيزها الكبير على العروض الأجنبية، من دون البحث عن فرق عربية، علماً أنها كرّمت السنة الماضية وديع الصافي، وتستضيف سنوياً عرضاً لبنانياً. لكن ثمة فِرَقاً وعروضاً عربية من الخليج إلى المحيط، تنتظر فرصة الظهور في مهرجان دولي لإبراز جدارتها. في العام 1996، زارت فرقة «سكوربيونز» لبنان، وأحيت حفلة صاخبة، وهي من المرات القليلة التي تزور فيها الفرقة الألمانية المنطقة العربية، لإحياء سهرات فيها. ولاقت الصحافة والنقاد آنذاك الفرقة بالترحاب والاشادة نظراً إلى سمعتها الممتازة، ومواقفها المميزة، وغنائها مراراً للسلام والحرية والعدالة. كانت الفرقة في أوج عطائها، والجيل الذي حضر الحفلة آنذاك، كبر ونما عوده. بعد مرور 15 سنة ، عادت الفرقة إلى لبنان، ضمن جولة غنائية تختتمها السنة المقبلة، بعد قرارها الاعتزال. والمفارقة أن تحمل الأغنية الختامية في الألبوم الجديد للفرقة عنوان «الأفضل سيأتي لاحقاً»، فالفرقة تستعد لاختتام مشوارها الطويل، وقد تعكس هذه الأغنية ربما بشكل أو بآخر الإحساس بالأمل. ويؤكد المغني الرئيس في الفرقة، كلاوس ماينه، أن الأغنية لم تأت بعد قرار الاعتزال، وإنما العكس هو الصحيح، وهو يدرك أيضاً الأثر الذي يخلفه إعلان فرقته عن آخر جولاتها الغنائية حول العالم وعن إصدار آخر ألبوم غنائي لها. كما يوضح أن قرار الاعتزال لا يعني النهاية. ومن يلاحظ أعضاء الفرقة على المسرح، يدرك كم يحتاج ما يقدمه «المجانين الخمسة» (أعضاء الفرقة) من نشاط وحيوية وحركة، لذا قد يكون منطقياً قرار الاعتزال بعد تجاوزهم سن الخمسين، و40 سنة من العطاء، قدمت خلالها 10 ألبومات، وباعت أكثر من 100 مليون نسخة، ونالت عدداً من الجوائز العالمية. رحب ماينه بالجمهور قائلاً: «مرحبا بيبلوس»، وعبّر عن سعادته والفرقة بالعودة مجدداً إلى لبنان، كما عبّر عن إعجابه بمدينة جبيل، وأهداها أغنية «send me an angel» (أرسل إلي ملاكاً). المميز في العرض، إنسجام الجمهور مع أعضاء الفرقة، وتنوع الموسيقى التي تقدمها بين «soft rock» و»heavy metal» وhard rock» وهي أنواع تقدمها الفرقة من بداياتها. وكانت لافتة أيضاً لعبة الغرافيك التي رافقت العرض، وباتت من الأساسيات في العروض العالمية، وترصد لها موازنات ضخمة، أضافة الى الإخراج المباشر للحفلة. كما بدت مبهرة أيضاً لعبة الضوء وتغيراته والخلفية التي تتبدل وفق الأغنية أو الإيقاع. قدّمت سكوربيونز في ليل جبيل، أبرز أغنياتها ومنها:i was raised on rock, holiday, still loving you, you and i ,wind of change. وعلى رغم الأفكار السيئة لدى البعض عن موسيقى الهارد روك، والتي تدعو برأيهم الى الموت والانتحار، حاولت فرقة «سكوربيونز» أن تكتب أغانيها بما يلائم روح العصر، فعبّرت في سبعينات القرن العشرين وثمانيناته عن الحرية والعدالة وتمرد الانسان في وجه الاضطهاد، ودعت الى الوحدة والعودة الى الجذور، كما لامست بشاعرية كلماتها قلوب مستمعيها عبر أغنية «رياح التغيير» التي أطلقت شهرتها في ألمانيا بلدها الأم. وباتت هذه الأغنية رمزا للوحدة بين الألمانيتين. وحققت هذه الاغنية أعلى مبيعات في ألمانيا، وكانت القنوات الألمانية لا تتوقف عن عرضها مع صور مختلفة من سقوط جدار برلين،على رغم أن شهرتها لم تتحقق إلا بعد سنتين من هذا السقوط. أسس الفرقة، العام 1965، عازف الغيتار رودولف شينكر، وبدأت كمجموعة طلاب صغيرة، تأثرت بموسيقى الروك الوافدة من أميركا، ونمط ألفيس بريسلي في اللباس: الجينز والسترات الجلدية السوداء. في العام 1970، انضم كلاوس ماينه كمغنٍّ رئيس في الفرقة، وكذلك الشقيق الأصغر لرودولف شينكر مايكل. صدر أول ألبوم للسكوربيونز العام 1972، بعنوان Lonesome Craw، وتتالت نجاحات الفرقة الباهرة بعد ذلك، على رغم العقبات الكثيرة التي اعترضتها. أجادت الفرقة الغناء بأساليب عدّة، ما جعل أعمالها تستهوي أنماطاً مختلفة من المستمعين، وتمازجت الألحان بشكلٍ رائع مع إيقاعات الغيتار والدرامز. ومن أبرز انجازاتها تحقيقها شهرة كبيرة في أميركا والشرق الأوسط، وغناؤها للسلام في موسكو (1989)، والفوز بجائزة «وورلد ميوزيك أوورد» (1992) وإحياء ذكرى إلفيس بريسلي (1994).