انه"يوم"النساء العالمي وليس عيد المرأة! وقد ازداد غيظي حين لاحظت الكمية الاستثنائية من الرجال الذين يشترون على عجل، في مساء ذلك اليوم، زهوراً، فيلتقطون باقات معدة سلفاً من بائع على الرصيف المقابل لمحطة قطار الانفاق، أو من المحطة ذاتها... أي في اللحظة الأخيرة وبأدنى ثمن ممكن أيضاً. إذاً لا مضمون هناك فهو ليس عيداً ولا رومانسية! لكني عدت فراجعت نفسي في التو، متخيلة فرحة نسائهم بتلك الالتفاتة، وهذا كاف بحد ذاته. وافترضت انها، بعد ذلك، تعني شيئاً، التزاماً من هذا الرجل بمجموعة من القناعات والقيم، وهذا أيضاً لا بأس به. كان جانبي المتصالح يتكلم هكذا بينما جانبي الآخر، المتطلب ألسنا جميعاً، وبمقادير متفاوتة، فصاميين؟ يتفحص مقدار التصنع الممزوج بتلك الفرحة. فهن يثمنّ أي بادرة ويشجعن عليها، في جهد يكاد يكون تربوياً حيال الرجال أو أقله طلباً لراحة البال والسلام. تركت جانبيّ يستمران في الخصام والمحاجّة، وعدت الى تصحيحاتي الابتدائية والمبدئية: يوم وليس عيد إذاً، مع ما يفترضه ذلك من وقفة تقويمية أمام"حال النساء"، أي الواقع كما يتبدى في الأماكن المختلفة، تحسنه أو تراجعه، ودرجة انجاز المشاريع المعتمدة، والنتائج، وما يمكن اطلاقه من أفكار واقتراحات وخطط. وفي التصحيحات كذلك:"النساء"وليس"المرأة". فتلك كائنات اجتماعية وهذه جوهر مطلق. تلك موجودة بشكل محدد ومخصوص داخل مجتمعات محددة ومخصوصة، وهذه استيهام مجرد. ثم أن الأمر يبتدىء مع اعتماد"النساء"، لأنه بعد ذلك ينبغي فرز ما هو مشترك بينهن، أي ما ينتمي الى شرطهن كفئة جنسية، وما يعود فيصبح مختلفاً تماماً بحسب الطبقات الاجتماعية، والمدينة والريف، وسوى ذلك من تقسيمات كثيرة داخل كل واحدة من هذه وتلك، وأيضاً ما يمكن اضافته عليهما من مقاييس. بديهيات؟ في درجة الاهتزاز الحالي يصبح الوضوح فضيلة! بعد ذلك، ماذا في الثامن من آذار مارس هذا بالتحديد؟ ماذا بعد عشر سنوات على مؤتمر بكين وعقد المرأة. ماذا عنهن كضحايا مميزات للفقر والمرض، وهي خاصية مستمرة من جهة ومتجددة من جهة أخرى. والعنف عليهن مفردة ينبغي وضعها بما يعني الجمع: العنف السياسي وهو على الغالب دموي، والعنف الرمزي، والعنف الفردي... وماذا عن المساواة في الحقوق، تلك القانونية، وتلك الأخرى العملية المتعلقة بالممارسة. جردة حساب سنوية؟ لم لا، طالما لا تكتفي بالاحتفالية ولا تمارس التزوير الكامل. فليجرد كلٌ في مكانه اذا سمحت له ظروفه بذلك. ليس في لبنان حيث لا متسع اذ تخيم على البلد من جديد أجواء حرب اهلية، تدور سلمياً حتى الآن. ليس في العراق حيث يختلط الحابل بالنابل. ليس في فلسطين على رغم ان تقارير حديثة للهيئات المختصة في الأممالمتحدة اشارت الى تدهور غير مسبوق في صحة النساء بسبب سوء التغذية. هن، في كل مكان من العالم، يقدمن سائر أفراد العائلة عليهن في المأكل. يفعلن طواعية بسبب التدريب الطويل والمتوارث على رفع حس التضحية لديهن. ومن المرجح انهن لو لم ينهجن ذلك لكنّ أُجبرن عليه، فيخسرن على أي حال، بصورة مضاعفة. فلا طعام ولا فضل يحفظ المكانة كما ترسمها القيم السائدة. في مصر إذاً، حيث مضى وقت كاف على أثر المنجز الناصري المتعلق بتعميم التعليم العام المجاني على جيل كامل من النساء، فتم استيعاب الاندفاعة، وجاءت الوقائع الأشد عناداً من المبادى لتقضي على ما تبقى، وتلقي بالفتيات خارج المدرسة وبالنساء خارج سوق العمل. هناك يتلهون بظاهرة اعتناق بعض القبطيات الاسلام وما يستدعيه ذلك من توترات تختراق كيان مصر عمودياً، من الأسفل وحتى القمة. سؤال اعتراض ساذج: هل يعتنق ايضاً بعض الرجال الأقباط الاسلام أم انها ظاهرة"نسوية"؟ ما زال مستحيلاً تعديل القوانين المتساهلة حيال جرائم الشرف في الأردن. ما زالت هذه تقع. ما زال السجال في دول الخليج كأنه يتعلق بدرجة قبول وجود النساء في الحيز العام كأنهن حالياً على المريخ وتحديداً ما يتعلق بمشاركتهن في الانتخابات بوصفها تعبيراً عن التكليف والولاية... نقاش لا ينفع في كسبه ايراد امثلة تناقض واقع الحال الحديث هذا، مستقاة من زمن سابق ومما يقال انه المرجع. ما زالت النساء في الجزائر منشغلات بلملمة جراح متعددة أبلغها ما أصابهن بشكل مباشر وفج في السنوات العشر الماضية أو يزيد، والتي انتهت الى اشاعة صحراء سياسية في البلاد. وفي المغرب، يفرح بالتطور الحاصل في القوانين كل عاقل، الا ان التقدم في معدلات الأمية والبطالة يسابقه، وللنساء بالطبع فيها نصيب مرتفع كثيراً عن نصيب الرجال. هكذا، و"بفضل"مصر والمغرب خصوصاً، تتجاوز المنطقة العربية افريقيا في المعدلات العالمية للأمية، وتصبح الرقم واحد العالمي! افريقيا التي ينخرها الإيدز ونسبة اصابة النساء به ضعف نسبة الرجال، والبرامج المقررة تتأخر أو تتوقف لأن مكافحة المرض ليست على رأس أولويات موازنات الدول الكبرى أو شركات صناعة الأدوية. بشر فائضون عن الحاجة! ورغم ذلك، ما زالت النساء في افريقيا يكافحن على كل الصعد، فيقال عنهن مجدداً إنهن غدُ القارة السوداء، وهو وإن كان إقراراً جميلاً، إلا أنه لم يعد كافياً حين يكون السؤال هو عن أي غد نتكلم. وبعد أن لا يفوت أي نشرة أخبار في ذلك اليوم الاشارة الى أن اقليم باميان في أفغانستان تحكمه امرأة، في تسجيل لقوة الدلالة الرمزية للواقعة، يستمر الخبر متناولاً ال"لكن"مما لا يهم أحداً، فقد فاتت موضة أفغانستان. فإن انتقلنا الى فضاءات أكثر رحمة، الى أوروبا مثلاً، تطالعنا احصائيات تركز كثيراً على مدى التقدم الحاصل في المشاركة السياسية للمرأة. وهناك علامات جيدة وأخرى سيئة توزع على البلدان، فتحل السويد أولى وفرنسا في المرتبة الواحدة والعشرين في نسبة حضور النساء في البرلمان. ويشار في هذا المجال الى أن الأحزاب السياسية الكبرى - بما فيها الحزب الاشتراكي - تفضل دفع عقوبات مالية باهظة مفروضة عليها لعدم استجابتها لقانون التقسيم المتساوي للترشيحات بين النساء والرجال... يعترفون بمقدرة النساء اللواتي وصلن الى البرلمان والمجالس الأخرى وتفوقهن أحياناً. لكن هنا أيضاً"لكن" يقولون إن الاعتبارات تتعلق بحسابات الفوز بأكبر قدر من المقاعد. وهذا يهم سياسياً اكثر من مسألة المساواة بين النساء والرجال. ولعله يضيء هذه ال"لكن"أو يفسرها، واقعة مرعبة ترددت طويلاً قبل ايرادها هنا مخافة ن يستغلها دعاة السوء في المنطقة العربية. ثم استسخفت افتراضي أن ثمة من ينتظر مثلها ليزداد سوءاً، وان ثمة من يهتم بما يكتب أساساً، وان ثمة من يقرأ أصلاً... فإليكم: في فرنسا، تموت ست نساء شهرياً نتيجة الضرب الذي يمارسه في الغالب الأعم الزوج أو الرفيق! معنى ذلك أن هناك اضعافا مضاعفة ممن يضربن الى حد أدنى من الموت، وآلافا ؟ ممن ضربن الى حد أدنى من الاستشفاء... ثمة حملة إعلامية مكثفة، واقتراحات قوانين عقابية وتدابير اجتماعية ونفسية، انطلقت بمناسبة الثامن من آذار لتستقوي بالرمز ولتحقق لها محطات. فبانتظار العام المقبل، وكل عام وأنتم بخير. كاتبة وناشطة لبنانية