إن قانون تجريم العنف ضد النساء والأطفال والمسنين (المستضعفين) الذي صدر منذ عام الذي يواجه المدان فيه سواء بالإيذاء الجسدي أو النفسي للمرأة بعقوبة الحبس لمد تصل إلى عام وغرامة تتراوح بين 5000 -50.000 ريال، لهو مجرد بند من حزمة بنود وقوانين تستدعي أن تتبعه لحماية المرأة من الظلم الواقع عليها من قبل الرجل المدعوم ثقافيا واجتماعيا بل وحتى قانونياً في بيئة ترتكز في تعاملها مع المرأة على الموروثات الثقافية والاجتماعية. استوقفتني إحصائية تم نشرها مؤخراً في إحدى الصحف المحلية تبين أن هناك 1351 قضية عنف أسري عرضت على القضاء في مدة سبعة شهور تشمل الضرب والاغتصاب والإهانة والإهمال والعقوق. إن هذا العدد يشمل فقط القضايا المرفوعة للقضاء، فالعديد من النساء يرفضن اللجوء للأهل أو الأقارب فكيف باللجوء إلى القضاء، إذ تبين إحدى الإحصائيات أن نصف عينة الدراسة من النساء أكدن عدم إخبار أي شخص خارج محيط الأسرة بحدوث المشكلات الزوجية، ونسبة 36 % من النساء يقبلن ممارسة العنف ضدهن في حال سوء تصرفهن. لا شك ان العنف الجسدي بحق الشريك الأضعف سواء جسدياً أو مادياً او اجتماعياً لهو جريمة لا تغتفر بحق المرأة بغض النظر عن أي تصرف بدر منها، فهناك دولة وقانون يحاسب الجميع وينظم العلاقات، ولسنا في عرف وقوانين الغابة!. في هذا السياق، سأستعرض العنف النفسي الممارس على المرأة بشكل يومي، فلا يوجد قانون يحاسب الطرف المستقوي، ناهيك عن أن الظروف كلها في صالحه. إن من يُمارس عليها هذا العنف باستمرار ماذا نتوقع أن تكون نتيجته من إفرازات سلوكية متأثرة به، سواءً بعلاقة المرأة بزوجها أو علاقتها بأولادها أو حتى مجتمعها، وسأستعرض غيضا من فيض لممارسات هذا النوع من العنف. إن العنف النفسي يشمل الضغوط النفسية التي يمارسها الرجل ضد المرأة وذلك نتيجة غياب التشريعات والقوانين، حيث تترسخ اللامساواة بين الجنسين، فيتفنن الرجل في ممارسة سلطته الممنوحة له سواء قانونياً أو اجتماعياً فيتلذذ في رؤيتها وهي تصارع أقدارها. إن تلك الضغوط الممارسة على المرأة ما زالت حاضرة وبقوة على الرغم من المشاركة السياسية للمرأة في بعض المناصب في الدوله كالشورى مثلاً، هذه المناصب لم تشفع لها في تمرير أجندة لتخليص بنات جنسها من المعاناة المريرة المتمثلة في غياب قوانين لحمايتها وأقلها تمريرقانون الأحوال الشخصية. من هذه الممارسات والضغوط النفسية، نذكرعدم قدرتها على تطليق نفسها إذا رغبت هي بذلك فتخلص نفسها وأطفالها من جور الرجل حيث الدوران في متاهات وأروقة المحاكم تتقاذفها أهواء بعض القضاة المنحازين في الغالب للطرف الأقوى،فيكون الحكم في صالح الرجل، أما الرجل فمن حقه أن يطلق طلاقاً تعسفياً وليس من حقها أن تطالب بتعويض مادي أو معنوي، مجرد ورقة تنهي كل شيء بينهما، فالتهديد قائم في أي لحظة بدون سبب وبدون علمها. لقد سُخرت الآن التقنية لتقوم بالواجب فرسالة الكترونية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كفيلة بإيقاع الطلاق وهي مقبولة قضائياً لدينا، والجدير بالذكر أن هذا التساهل والتراخي في تنظيم الزواج والطلاق وضع المملكة بالمركز الأعلى عالمياً في نسب الطلاق حيث تتم أربع حالات طلاق كل ساعة واحدة!. الأذى النفسي الثاني يتمثل في تهديدها بالزواج من ثانية وثالثة ورابعة ! وبدون أي مبرر، فقط مجرد نزوة كفيلة بأن تسحق المرأة سحقاً بامتلاكه حقاً كهذا، لتعيش صراعات نفسية طوال فترة عشرتها معه، ناهيك عن الاختراعات العصرية المشروعة المتمثلة بأشكال زواجية كالمسيار والمصياف والمبعاث والقيرل فرند وزواج النهار، وغيرها مما يتفتق عنه الذهن المنفلت، فلا يخفى عن الجميع انعكاس تلك التهديدات على صحتها النفسية! إن التهديد بالزواج من أخرى أيضاً يكون قائما عند عدم مقدرتها على إنجاب الذكر، فهذه أيضاً خطيئتها وعقابها يتمثل في الزواج من أخرى، فتبقى طوال فترة حياتها الإنجابية هاجسها ولادة الذكر ليخف وطء التهديد عليها. الأذى النفسي الذي نتميز به عن نساء الأرض جميعاً»حصرياًسعودياً» هو تقييد حريتها في التنقل من مكان لآخر إلا بقدرة الرجل، فحظر قيادتها لمركبتها يكبلها ويجعلها خاضعة له باستمرار، حيث حركتها مقيدة كالسجين الذي يتبعه سجانه أينما حل كظله لضمان عدم هروبه، لقد أصبحت تلك القضية ليست انسانية حقوقية اجتماعية عنصرية فقط بل اقتصادية أيضاً حيث ارتفعت أجور استقدام السائق الى20 ألف ريال، ناهيك عن تكاليف إقامته ومعيشته ما يشكل عبئاً على الأسرة عموماً وعلى المرأة خصوصاً. إن تعمد استمرارية هذا الحظر القيادي للسيارة يعتبر وصمة عار في تاريخنا إذا لم نسارع ونتخذ قرارا حاسماً تجاهه، نتساءل: كيف تصل الشورية لقبة المجلس لو رفض وليها أوحتى سائقها ايصالها! سؤال جدير بالتمعن!. حق المرأة في التعليم يضاف أيضاً إلى سجل معاناتها النفسية فلا تستطيع الحصول على حق التعليم ولا على المنحة والبعثة التعليمية إلا بموافقة الولي ومرافقته، إذا رضي عنها تعلمت وعلمت وترقت وإذا لم يرض جَهلت وجُهلت! حق المرأة في الجنسية فيه أيضاً تمييز واضح وصريح وفي غير صالحها، فالرجل يستطيع منح زوجته الأجنبية الجنسية لها ولأولاده منها، أما المرأة فلا تستطيع.! لا تستطيع المرأة بسهولة الحصول والوصول للخدمات الحكومية وبدون إذن وليها، كذلك هي لا تستطيع إلحاق أطفالها بالتعليم كالحق الممنوح للآباء ولا تستطيع فتح حسابات بنكية لهم..؛ إن القائمة من المعاناة تطول وهذا كما ذكرت غيض من فيض فماذا نتوقع أن نحصد ؟!. إحصائيات عديدة أكدت أن المعنفات أكثر ميلاً للانتحار واستخدام مضادات الاكتئاب حيث أكدت تلك الإحصائيات أن 57 % من النساء السعوديات العاملات و 34 % من غير العاملات يعانين من الاكتئاب بسبب توتر العلاقات الزوجية، وانه في عام واحد فقط هربت 1400 فتاة من اسرهن في مجتمع يقسو على حالات كهذه.! إن تلك المعاناة المترتبة على ممارسة العنف النفسي تجاه المرأة تتطلب حلاً مجتمعياً وعمل دراسة ومراجعة شاملة للقيم المجتمعية والثقافية الموروثة لدى الجنسين يتبعه رسم سياسة اجتماعية من قبل متخصصين لتدوين قانون للأحوال الشخصية من أجل ترميم وبناء مجتمع صحي قائم على العدالة الاجتماعية يضمن للمرأة الحماية اللازمة وبالقانون. ان إعادة النظر في نظام الوصاية والولاية على المرأة بات ضرورياً حيث التحكم في مصائر النساء في أوجه!!.