في دراسة صادرة أخيراً قامت منظمة الصحة العالمية بتحليل ظاهرة العنف ضد النساء في 11 دولة مختارة حول العالم، وأهمية الدراسة لا تكمن في درس مسببات العنف وخصائص النساء المعنفات فقط، بل في إصدار تعريفات واضحة تحدد معنى العنف وتأثيره على المرأة والمجتمع ككل. ركزت الدراسة على العنف الممارس على النساء بواسطة الزوج أو شريك الحياة، وخلصت إلى تنامي هذه الظاهرة في كل الدول المشمولة بالدراسة، بغض النظر عن المستوى الاقتصادي لسكانها، العنف الجسدي كما قامت المنظمة بتعريفه للنساء المشمولات بالدراسة هو بسؤالهن مباشرة عن صفع الشريك لهن أو دفعهن أو ضربهن مباشرة، أو بواسطة أداة ما، أو ركلهن أو حرقهن أو تهديدهن بأداة خطرة كسكين أو مسدس، والعنف الجنسي هو ما تم بالقوة والفرض على المرأة أو إجبارها على ممارسات ترفضها، وظهر الصفع كأكثر أذى جسدي تعرضت له النساء في العالم بمعدل يتراوح من 9 في المئة، كما في اليابان، وحتى 52 في المئة، كما في بيرو، أما العنف الجنسي فتراوح أيضاً من 6 في المئة، في اليابان، وحتى ما يعادل 60 في المئة، في أثيوبيا، وجدت الدراسة أن النساء الأصغر عمراً والأقل اعتماداً على أنفسهن مادياً، وكذلك النساء من دون دعم أسري كافٍ سجلن أعلى معدل في التعرض للعنف الجسدي والجنسي. تعرضت الدراسة أيضاً إلى أسئلة حول التحكم بالنساء، وشملت هذه الأسئلة معلومات عن مدى تحكم الزوج بتحركات الزوجة ومنعها من رؤية أهلها أو صديقاتها، أو الإصرار على معرفة أماكن وجودها طوال الوقت أو إهمالها، أو الغيرة المفرطة إذا ما تحدثت إلى ذكر آخر، أو اتهامها بعدم الإخلاص أو التحكم في حصولها على الرعاية الصحية، وكان الاختلاف في التبليغ عن العنف هو دليل على اختلاف مفهومه بين الثقافات المختلفة كحق أحياناً للذكر وليس كشكل من أشكال العنف، إذ أظهرت الدراسة أن النساء يتقبلن العنف عليهن كعقاب عادل من شركائهن ولا تقوم الكثير منهن بالتبليغ عن الأذى الذي ينالها من التعنيف، ويختلف الأمر أيضاً بحسب مقر سكنى النساء، فساكنات المدن مثلاً كن أكثر تعبيراً عن رفض العنف كوسيلة للتعامل بين الذكر وعن عدم وجود أي سبب يمنح الشريك حقاً في استخدام العنف، إلا أن نسبة النساء في الأرياف والقرى ممن اعتقدن في حق الشريك بممارسة العنف على المرأة كانت كبيرة وتصل حتى 60 في المئة وبالأخص في أثيوبيا وبنجلادش. وما يعنينا هنا هو الطريقة التي تم فيها تعريف العنف ضد النساء، وكذلك الأسلوب العلمي المتبع في الحصول على معلومات دقيقة عن مدى انتشار العنف وتأثيره على المرأة أولاً والأسرة ككل من بعدها، فالمرأة المعنفة تميل في العادة إلى الاكتئاب وتصبح عرضة للانتحار ولخطر الإجهاض، أو الضرر أثناء الحمل، والمرأة المكتئبة غير قادرة في العادة على إسعاد أطفالها ولا القيام بمهماتها إن كانت عاملة أو غير عاملة بكفاءة، فالعنف ضدها إذن ليس قضية خاصة بالمرأة فقط بل بكل من تتعلق حياته بشكل أو بآخر بصحة المرأة الجسدية والنفسية وأهمها الأطفال، فمن الشائع تعرض أطفال النساء المعنفات إلى ضعف ونقص الوزن عند الولادة وخطر الوفاة والإصابة بالأمراض المتزايد قبل بلوغهم السنوات الخمس، ولذلك صنف العنف ضد النساء كأحد أمراض النساء وكأحد أمراض الصحة العامة الشائعة التي تحتاج إلى تدخل فعّال، ليس فقط من الدولة بوضع السياسات الكفيلة بالحد من العنف وتحديد مسبباته وعوامل الحماية منه، بل أيضاً من الأفراد بالتعامل مع العنف كمشكلة وعائق حقيقي أمام الصحة العامة للأسرة والمجتمع ككل. الخلل الذي ينال النساء المعنفات وأطفالهن يعود في النهاية على المجتمع في شكل مراهقين ومراهقات مصابين بالأمراض العقلية والنفسية والجسدية، وأكثر جنوحاً في التعليم مع كلفة أكبر في العلاج والتأهيل، بينما لا تستلزم كلفة الوقاية سوى وضع سياسات فعالة وتوعية الناس بمعنى العنف وأساليبه وتأثيره. ربما لا يمكن للدراسة نفسها أن تتم بالطريقة نفسها في مجتمع كمجتمعنا، فالثقافة الأبوية التقليدية التي تنظر للنساء كرعية للولي يقوم بتقويمهن وتوجيههن بما يناسب مفهومه الخاص للخطأ والصواب والغموض التشريعي الديني في فهم وتطبيق آيات ضرب الزوجة وتأديبها تقف عائقاً أمام تعريفات العنف المتفق عليها، كما تخلو القوانين من صيغة واضحة لتحديد العنف، وليس بعيداً ذلك الوقت الذي ظهر قاضٍ شرعي في ملتقى أدبي ليفتي بضرب الزوجة التي لا تسمع كلام زوجها. الهيئة العليا التي تشكلت أخيراً في المملكة لرصد حالات العنف ضد المرأة والطفل هي بداية طيبة للتعامل مع هذه المشكلة، ولكن تلك البداية الطيبة حاصرتها وغمرتها كثرة المطالبات المكتشفة فور الإعلان عن دور الحماية، حتى استغاثت الموظفات في الدور الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية لتولي دور ما في هذه المعضلة، والموقف الرسمي يتعامل مع عواقب المشكلة من باب احتوائها والتعامل مع توابعها، وثمة دور نسائية مغلقة في وضع أمني خطر بلا حماية محترفة تغلق أبوابها على النساء من كافة الأعمار في مواجهة عنف أقاربهن وسطوة مجتمع لا يقبل بوجودها كامرأة وحيدة غير منتسبة أو تابعة إلى رجل قانونياً أو شرعياً. آن الوقت الآن أن نتعامل مع المرأة ليس ككائن ضعيف في انتظار الحماية مدى الحياة، ولكن ككائن قادر وقوي بسلطة قانون أن يقاوم العنف والتعدي تحت أي سلطة، وإن كانت بزعم الحماية ومسلح بتعليم ووعي يؤمن بصراحة بحقها في الحياة بكرامة ومن دون عنف. * كاتبة سعودية - الولاياتالمتحدة. [email protected]