1 يستطيب القلب كلمة الشكر وهو يشاهد شعب لبنان. تلتذ بها اليدان. شعب لبنان. شكراً. كلمة نتبادلها في العبارات اليومية. هي علامة على التعلم مرة، وعلى العفوية مرة أخرى وعلى الأناقة مرة ثالثة. كلمة تكتفي بنفسها في التحية والامتنان. في التواضع. في المحبة. شكراً. وأنت تنطقها عفو الخاطر. شكراً لشعب لبنان. كلمة توجهها لمن هو أعلى منك سلوكاً. وأرفعُ منزلةً. وأسبقُ فعلاً جميلاً. شكراً. هي التحية وهي الصلاة في آن. هي القرابة وهي الألفة. كلمة تحسها أخف من الهواء. على لسانك. ولسان كل من قالوا وتسمعهم يقولون. شكراً لشعب لبنان. لم يكن ذلك اعتيادياً. الفعل الموجب للشكر. شعب لبنان الذي علمنا أبجدية الحرية في قصائد خليل مطران وأعمال جبران خليل جبران. ذلك الصوت العميق في أنفاسنا. التي كانت بها تكبر في الطفولة والمراهقة. ونحن نتعلم ما ستكون عليه لغتنا في المستقبل. حرية بها تنطق كل الكلمات الأخرى. ولبنان هو المبدع لها في عربية هي ما نتسمَّى به. فيها كان لنا أن نسافر مع أنشودة لا تتوقف عند حدود. هي اللغة السارية في شعوب عربية. ناطقة بالبديهي. الحرية. بالصعب. الحرية. بالمتلألئ. الحرية. وليس في كلماتك أكثر وداعةً من شكراً لشعب لبنان. البارحة كانت تلك كلمتي له. واليوم هي كلمتي. لم تتغير ولم تتخلف عن موعدها. لبنان. لا يستحق مني أقل من هذا الشكر. شعب له انحنيت. شاكراً. لأنه الحرية. والكلمة التي نطق بها في كتابة التحديث الأولى هي التي نسجْنا منها حلماً وفيه لا زلنا نسكن. الحرية. كلمة الشكر. ولا يرد على ذهنك أن تضيف إلى الشكر كلمة ثانية. نعتاً ولا شرحاً. هي كلمة الألوان كلها. طيف من ألوان المعنى. في كلمة يفهم المتكلم والمخاطب أنها تاريخ وحضارة ونشوة. وفيها أنتَ الذي سمعتَ صوتك. والجمعَ الذي توحدتَ فيه. وما كان في الطريق نحوك من أصوات. شكراً لشعب لبنان. لغة ترتدي رعشتها وتترحل بين بلاد الأرض. شعوب في البسيطة ترددها. شكراً لشعب لبنان. شعوب لا يعرف بعضُها أين يقع لبنان ولكنه يعرف الآن ماذا يفعل شعب لبنان. ويعرف أن شعب لبنان هو ما نريد أن نكونه نحن. وهم. حيث يجب أن نكون. الشكر. ولي أن أحملَ الكلمة لأطوف الأرض بها. أرددها على نفسي. وأنا أرى شعب لبنان يعود إلى كلمته الأولى. الحرية. شوارع تسكنها. واللسان متهدج. أنت الذي هو أنا. نحن الذين جئنا من قبلُ نجيءُ اليومَ. منتصرين لفكرة الحرية. شعب ينزل إلى الشوارع. وفيها يلتقي الواحدُ الآخرَ. نهراً بشرياً يتدفق. ريحاً هي مجد الطبيعة. وعلى اللسان الحرية تستعيد معناها. في الشارع والشوارع. هؤلاء القادمون من ذاكرتهم الجماعية. ومن لغة شعرائهم وأغاني الأرياف والحارات الفقيرة. الحرية. كلمتك التي نطقتَ بها. في وجه من أرادوا أن يخضعوك. وهم لا يدرون. ويهينوك. وهم لا ينتبهون. شعب لبنان الذي تربى على كلمة الحرية. وفي أنفاسه أطياف الحرية تتحرك. حتى لا نهاية للحركة. وقتٌ لم يتوقفْ لهذه الحركة. على أرض لبنان. وفي قلوب أبناء شعب. تعلمَ أن الحرية هي الأبجدية الأولى التي تليها أبجديات القراءة والديموقراطية والمساواة والإبداع. أبجدية الحرية التي يصعب تعلُّمُها في مكان مغلق. وعلى يد جلادين. كيفما كانوا. هي الأبجدية التي حفرت مجرى لبنان في العالم العربي. وفي العالم. حيث كل واحد منا كان يتهجَّى حروفَ أبجدية الحرية فيدرك أنها من لبنان تسافر إليه. وهل هناك ما هو أعزّ من أن تتذكرَ وأنت تشاهدُ شعب لبنان؟ وتدرك أنه كان لك العائلة؟ أسأل نفسي لأني لم أشك في ذلك يوماً. وفي كل مرحلة من تاريخ لبنان الذي عايشته كانت الأبجدية هي التي تساعدني على فهْم ما يمكن أن يكون عليه لبنان. تلكَ حالتي التي لم أخُنْها. في الذاكرة والمشاهدة. وأنا أقترب من فهم أبجدية الحرية. كما تعلمتُها. في الأدب اللبناني. كان ذلك ويكون. بمثل هذه الحكمة الصامتة كنتُ أجيب عما يحْدُث. في الأيام التي كان فيها لبنان يبحث عن حريته. غموضٌ مَا كان على لساني. وفي كل مرة أزور لبنان أرى البحث عن الحرية متجسداً في حياة. شعب لبنان. حكْمةٌ لا أنتَ تخترعها ولا هي تعتقلك. هي وأنت تتكاشفان. والصمت بينكُما. في النهار والنهار. غامراً ما تحسُّه. وتشاهده. بينك وبين شعب لبنان. أقصدُ بيروت. لا لأنها بنتُ البحر. وأختُ الأسطورة. وسيدةُ الأرز. بل لأنها وليدةُ كلمات الشعراء والأدباء والأغاني. بهذا أعرفُ بيروت. زمن عربي حديث وُلدَ على يد بيروت. ولك ما تشاء من البرهان وأنت تقرأ. لا تنس أن تفتح الكتابَ لتعرف سرَّ بيروت. شعراء وروائيون. هم اليوم كما كانوا البارحة في افتتاحهم لعهد الحرية. أيها الآباء اليسوعيون. بوركت أعمالُكم التي وصلتني حتى بيتي وأنا بعيد عنكم. بعيد. أيها الشعراء المُمجَّدون بوركتْ قصائدكُم التي دلتني على جغرافية الكشف في كلماتي. أيها الروائيون بوركتم في المغامرة والدهشة. بيروت التي تعود مع شعب لبنان. وهي تنطقُ بكلمتها الجذْر. الحرية. عندما. تقدمتْ. في زمن تحمل أبجديةَ الحرية على كتفيها وتخترقُ المسافات. بيروت التي يجهلها من يَراها من فوق. من سماء بلا طبقات. هي بيروت التي تقود أبجديةَ الحرية في حشود. يومية. شاهدة. ومتدفقةً. في الآن ذاته. هي بيروت التي قرأناها فتخيّلنا أننا نشاهدها. ونشاهدها فنتخيل أننا نقرأها. لا فرق بين أن نقرأ وبين أن نشاهد. هي بيروت الواحدة. المتوحدة في أبجديتها الجذر. والشطح. تتقدم. شعب لبنان الخارج نحو الحرية. ذاهباً واللسان يحترق. لنا الحرية. فيها كبُرنا وبها نعِدُ أنفسنا وأبناءنا وأحفادنا. لن تقوى يد على ردّها. هذه الأبجدية البدئية. الحالمة. الضاحكة. المنتبهة. الشاسعة. لنا نحن الذين تعذبنا من أجلها. وكنا لها الوفيّ. نحن المقيمون فيها. الساهرون على حقولها وبيادرها. وبيروت تظهر في شعب لبنان. أو شعب لبنان يظهر في بيروت. معاً متوحدان. في أبجديتهما التي كان الشعراء والأدباء والفنانون صانعيها من فكرتهم التي لا يتنازلون عنها. تظهر في الأعالي والأسافل. متحركةً نحو اليوم الذي هو كل الأيام. بذلك نطقتْ من قبل وفيها الأزمنةُ تظهر. واضعةً على الطريق علامتها. لا تخفي أنها هي الناطقة. بما كانت وتكون. شعبُ لبنان في طريقه معها. يداً في يد. جنباً إلى جنب. والطريق هي نفسها. بالمنعرجات التي لا تهابها. شوارع محشورة في شوارع. وهي النهر الخفي. منحدراً من الجبل حتى الأعماق يجري. واضعاً أبجديته البدئية بين يديْه. بيروت الشريعةُ والمنهج. في الوضوح الملازم للأبجدية وهي تصعد يومَها. أيامَها. ليس الحنينُ ما يقود خطوتها. لكن شعبَ لبنان فيها يظهر كما كان يظهر من قبل. واصلاً طريقاً بطريق. وفي التدفق التلقائية التي تضيء. شمسٌ في منتصف الليل. وبيروت تفتتح الطريقَ إلى الطريق. بأبجدية الحرية تتقدم. هي المعذبةُ. المكدودةُ. تتدفق. نهراً خفياً لبيروت. نفسٌ. نفوسٌ متّقدةٌ بما يلمع. ولك شعب لبنان. في هذه الأيام كما كان لك في الأيام التي عشتَ وأنت مراهقٌ تقرأ ما يكتب شعراؤها وأدباؤها. لن يفاجئك ما تشاهد مثلما لم يفاجئك ما كنت تقرأ. هما معاً. في أنفاسك. وهما أمام عينيك. فانظُرْ إلى لبنان. شعب لبنان. الألقُ المشعّ. في منتصف الليل. وافرحْ بما ترى فأنتَ قادرٌ على أن ترى. ردد الكلمة. الشكر. شكراً لشَعب لبنان. بيروتُ. نهرُكَ الخفيّ, أنت الذي تشاهدُ النهر فلا تكذبْ. شعبُ لبنان في بيروت. والمدينة تحتضن الأزمنة. ليست العين بعيدة. وفيها الأزمنة. الزمن المستطيل. الدائري. الحلزوني. الزمن الكبير في أشكاله المبدعة. وهو يظهر أمامك كما لو كنت تقرأ قصيدة. على ورق لونه الذي كان متوّجاً هو الآن متموّجٌ. لأنك لا تنسى لونَه. وبيروتُ في الكلمات. والكلماتُ في الشوارع. بيروت الأبجديةُ والنهرُ والشساعة. خذْ وجهك إلى حيث بيروت. سلّم على المدينة. انطقْ بما تعلمتَ منها. شكراً لشعب لبنان. اظهَرْ على نفْسك وانزلْ إلى عليائك حتى لا يفوتنّك أن تشاهدَ بيروت. شعب لبنان. شكراً. في المشاهدة. والبسيطةُ امتلأتْ بصوت بيروت. الحرية. لا من بعيد تأتي. هي من الجذر تنبثقُ. تتفجّر. والنهر بيروت. واضحاً في الأبجدية. التي صنعتْ لبنان. وارتقتْ بالكلمات إلى ما يلمعُ. في كل إنسان. على البسيطة. ادخلْ على نفسك. في نفسكَ. اظهَرْ. وشاهدْ. بيروتَ. تتقدم. على طريقك الأول. الحرية. لبنان. ولا أنتَ وحدك. تعلمُ. العالم يشاهد ما تشاهد. يسمع. الحرية. واللمعان. الشمس في منتصف الليل. معنى الكلمة. الحرية. ما لا ينحجب. لأنه في اليوم. الأيام. ولك بيروت. شعب لبنان. القادم من ذاكرته المتدفقة. نهراً في بيروت. والورقة التي قرأتُها. قصيدة. أشاهدها. ما كتبوا لهمْ ولنا. وبها أنطق اليوم. لم أكن أنسى بيروت. وهي هنا. معي. يداً في يد. جنباً إلى جنب. كلمة. تذهب لتعود. شكراً لشعب لبنان. من المنعرجات ينزل. وفي البسيطة الذين يمدّون أيديهم. لبيروت. في الوقت الملائم للصوت. الأبجدية. الحرية. هؤلاء الذين يشاهدون. وأنا معهم. شكراً لشعب لبنان.