حين رأى ذلك الرأس مرة اخرى يؤرجحه الموج سقطت شهقة مكتومة داخل صدره، كان يعرف انه سيعود من جديد كما هو مثل كرة باليه من المطاط تقترب من الشاطئ. يمشي بثقل، قدماه تحفران في رمال بللها المطر، انفاسه اللاهثة تضيع وسط وشيش الموج، يقف امامه جامداً. محدقاً الى العيون التي اغلقت بإصرار وذلك التعبير حول الفم في محاولة لابتلاع الألم وشعر الرأس الاسود الفاحم، الملتصق بقوة بالجبهة، كان الوجه يجمع معاً ملامح رجل وامرأة. يخيل اليه أحياناً أنه رجل كان يعرفه، لكنه يعود ويفكر انها امرأة قُص شعرها. منذ رأى ذلك الوجه وهو لا يترك مكانه على الشاطئ مقرفصاً داخل مركبه الصغير، وساعات طويلة من الهذيان لا يكف فيها عن طرد تلك الاشياء التي يدفعها الموج الى الشاطئ. في حجرته يتسلل اليه صرير بابها، يلمح على البعد خيال زوجته يتوقف امام فتحة الباب ثم يختفي يسير مسرعاً، يتوقف امام باب الحجرة الموارب، يلمح شال زوجته الصوف الاسود فوق الارض، يخيل اليه انها قالت شيئاً ما. يدور حول الحجرة، من زجاج النافذة المغلقة ينظر الى الداخل، يراها جالسة امامها تنظر نحوه، يعود الى الشاطئ حيث الموج يدفع الرأس ليستقر بجوار المركب. شمر سرواله تحت الجلباب وراح يدفع الماء ناحيته حتى يبتعد، لكنه ظل قريباً من الشاطئ وبقايا شمس برتقالية تسقط في الماء. يتفرس فيه من جديد، يخيل اليه أن هناك ابتسامة في الوجه، كما قالت زوجته حين رأته في المرة الاولى، على البعد يراها، جامدة تحت النخلة تتلفع بشالها الاسود حول رأسها وتنظر الى السماء. همس لنفسه: بيضحك!! تتكور الزوجة على نفسها تحت النخلة، يدها تمتد الى الرمال تحتها، تجمعها في قبضتها ثم تدعها تسقط لتجمعها من جديد، تسمعه على البعد يصيح: أهي مشيت. تخمن انه سيبحث عنه من جديد حتى يراه عند الشاطئ، اقشعر جسدها وهي تفكر في تنظيفه من تلك الاعشاب العالقة بشعره، وحفظه في مكان ما. تقول لنفسها إنه امرأة... نعم امرأة: يقفز الى رأسها صورة زوجها وهو جالس فوق الفراش بوجه متشنج وعيون دامية يحدث ناحية النافذة في ترقب. راجل ..... يشبه الپ ......!! ينظر إليها والشرر يخرج من عينيه، بعدها بات يسهر أمام المياه لا يدخل غرفته إلا لقضاء حاجة، يهرول الى الحجرة، وتأتي بالمجداف، يراها على البعد تحت ضوء رمادي يلف المكان وهي تدفع به الرمال والحصى الى المياه في خبطات سريعة. عادت الرأس من جديد بجوار المركب، يهرول الى زوجته يأخذ منها المجداف، يعود من جديد الى الرأس، يدفع المياه بالمجداف نحوه لاهثاً ومهرولاً في الماء. اقتربت زوجته منه ورأته يلتفت اليها، كان الغضب يعصف بوجهه، خيل إليها انه فقد عقله وانه سينقض على الرأس ويشبعه ضرباً، فتراجعت الى الخلف مرعوبة وذلك الضوء الرمادي يسلل شروداً الى رأسها. كان يصيح وهو يضرب الماء بالمجداف، يدور حول نفسه وهو يبتعد خلف الرأس. وقفت لا تتحرك، تنظر الى البحر بعيون خاوية وحذر يدب في جسدها، صورة زوجها هناك تنطفئ شيئاً فشيئاً ليعلو صوت الوسيس ومجداف يضرب في الماء مثل ظل بعيد. كاتبة مصرية.