الآن، يقف عند الباب ينظر نحوها في ما يشبه الكراهية، وامرأة غريبة لا يدري من أين أتت تجلس بجوارها محدقة إليه. أمام المرأتين خمس من «المشنّات» المصنوعة من الخوص ساكنة فوق الأرض الترابية، بكل واحدة أنثى رضيعة. يهمن بعيونهن المفتوحة على اتساعها في المكان، أحواض السمك الأسمنتية تسيّج جدران الغرفة، في إحداها راحت أسماك القرموط والثعبان تدور حول نفسها في الماء وتصدر أصواتًا لخبطات متتالية، كانت الأحواض الأخرى تضيء بعيون لأسماك تسلل منها موت طازج. في الخارج اختلط الطين بالملح حتى حافة الأمواج، يرتعش فوق البيت مصباح كهربائي وحيد في الليل لا يظهر عبره سوى نافذة مغلقة يظل بخار الماء فوق زجاجها، وجزء من مركب الصيد الصغير تلمع منه نتف من طلاء أحمر طليت به حديثاً. كان المكان كله ممزوجاً برائحة لباقيا سمك عفن ويود. قالت الزوجة: انه يراقبنا. قالت الغريبة: ولكننا نطعمهن رغم ذلك. راحت تخرج ثديها من فتحة الجلباب وتلقمه لإحدى الرضيعات الخمس، وفعلت الأم مثلها وتجمد هو عند الباب ينظر في عين المرأة الغريبة التي تطوعت بلبنها من أجلهن. يتسلل إليهما بضع كلمات رددها بصوت خافت فأخرجت الزوجة ثديها من فم إحداهن وراحت تنتظر بارتعاشة في جسدها. قالت: لو أذاهن لقتلته. منذ أيام وهو يأتي هكذا ولا يستطيع، يهرول إلى الداخل في حركة خاطفة، ينظر بطرف عينه إلى إناثه في المشنّات ثم إلى زوجته والمرأة الغريبة وهو يتبع حركة الأسماك في الحوض بيده، بعدها يقف جامداً أمام الغريبة تلك التي لم تنزع ثديها من فم الرضيعة، تنظر في عينيه طويلاً بإصرار ثم تدق النظرة ليجفل ويغادر. تقول: سينام هذه الليلة أيضا في المركب. إن كان يريد الصبي فليلده هو إن استطاع. تلمح الزوجة في الغرفة الداخلية للنوم طرف الملاءة الحمراء الموضوعة فوق الفراش وإحدى أرجل مهد صغير وضع هناك لصبي لم يأت. تقول الغريبة: إنه يراقبنا من خلف النافذة. يخيل للزوجة أن شيئا يتحرك خلف الزجاج المعتم ببخار الماء. تردد وهي تلقم إحداهن ثديها: لن يستطيع.. لو...!! تنظر عيون البنات معاً في حركة واحدة إلى الأمام لا تكاد تنغلق وخيوط من ضوء أزرق تسلل من كوة أعلى الجدار اليهن واستقر فوق وجوههن ليضفي عليها شحوباً في الخارج كان يقف عند مدخل البيت ينظر إلى جدرانه للحظات ثم يدور حوله، بعدها يقف جامداً، وجهه إلى البحر تطارده عين المرأة الغريبة وهي تنظر إليه، في الداخل كانت الأسماك تتحرك بعنف في المياه وزوجته تردد وهى تعتصر ثديها بإصبعها وتلقمه لإحداهن: سأقتله إن فعل. يهرول إلى الحوض ويحرك الأسماك بيده وهو يختلس النظرات إلى المشنّات الخمس ثم إلى المرأتين ويغادر مسرعاً. الآن تفوح رائحة اللبن الممزوج برائحة الأطفال. في الخارج كان يتكور على نفسه في المركب الصغير أمام البيت – المصباح يهتز فوقه خفيفاً.