سنة كوارث، اغتيال شخصية معروفة، سقوط نظام عربي... توقّعات تتسابق وسائل الإعلام في مختلف أنواعها على التبشير بها. هنيئاً لنا نحن، الشعوب العربية بوجود عرّافين يضيفون إلى مصائبنا جرعة مُرّة يفرغونها في كأس التشاؤم الذي نعيشه في أيامنا الراهنة التي تحوّلت إلى محطة انتظار لكارثة جديدة تطيح بأحلامنا. ولعلّ ألذ التوقعات"المصائبية"التي تدغدغ حلم غالبية الشعوب المقهورة، كانت تلك التي صدرت أخيراً عن عرّاف تونسي وهي"اغتيال بوش". توقع نتمنى تحققه لمَ لا؟ أليست"أميركا وكل من يمثّلها المصيبة الأكبر؟"! ولا يسعنا في عصر العلوم الذي نعيشه إلا أن نحيّي هؤلاء"العرافين الجدد"الذين تفوّقوا على أقرانهم في الأساطير الإغريقية. تستحضرني أسطورة أوديب في كل مرّة أقرأ توقعات العرافين، عفواً الفلكيين، لأن كلمة عرّاف تجرح مشاعر هؤلاء"المفكرين العظام"! عندما قرأت هذه الأسطورة كنت في الرابعة عشرة من عمري وأتذكر نقاشاً حامياً دار في الصف شبيهاً ببرامج"التوك شو"التي تتسابق عليها شاشات التلفزة، والفارق أن نقاش الصف كان بين أستاذ التاريخ والتلامذة المراهقين، أراد منه يومها أستاذنا أن يؤكد لنا أن قراءة الفنجان والكف والأبراج مجرّد نزعة إنسانية لقراءة المستقبل المجهول تقود الإنسان إلى كارثة، لأنه في لا وعيه سوف يتبع أقوال العرّاف فتصدق توقّعاته. فلو لم يلتق الملك لايوس والد أوديب العراّف الذي حذّره من لعنة كبرى، وهي أنه سيرزق ولداً يقتله ويتزوج والدته، لما كان لهذا الملك أن يأمر أحد خدمه الأوفياء بقتل فلذة كبده، لكن ضمير الخادم منعه من قتل طفل بريء ذنبه أن العرّاف توقع ذلك سابقاً لوالده. وشب أوديب في أحضان ألد أعداء والده الحقيقي وتحقق التوقع عندما هاجم مملكة أبيه وقتله وتزوّج أمه. ندم أوديب على فعلته بعدما عرف الحقيقة وفقأ عينيه وهام في بلاد الله الواسعة وشعور الذنب قد أنهكه. لو لم يأخذ لايوس بكلام العرّاف لما حلّت به هذه الكارثة. هذه الأسطورة لم تمر بسلام على فرويد فحللها في شكل علمي ووضع نظرية"عقدة"أوديب التي، وبحسب فرويد، يعاني كل رجل منها في لا وعيه. ويبدو أن التوقعات في عصرنا الحاضر لا تمر مرور الكرام على وكالات الاستخبارات بل تجدها حلاً لتنفيذ ما تريده. والمضحك المبكي أننا شعوب أوديبية، نرتكب الخطيئة التي ينبئنا بها"العرافون الجدد"لنشعر بالذنب بعد وقوع المصيبة. فهل سيظهر فلكي عظيم ينبئنا باغتيال شارون؟ أو أنه سيتم القبض على أبي مصعب الزرقاوي؟ أم أن هذا النوع من التوقعات مجرّد حلم لا يمكن تحققه؟