حين وقعت كارثة"تسونامي"العظيمة فاجأنا عبدالعزيز الفوزان على قناة"المجد"بأنها تسونامي غضب من الله على فقراء المالديف وغيرها من الدول التي تعج بالمسلمين الضعاف، وحين حلت"كاترينا"على سكان نيوأورلاينز - الفقراء الضعاف أيضاً - طالبنا الداعيةُ ناصر العمر بالفرح لما أصاب"أولئك الكفار"، ليزيد الطين بلة إشارة الكاتبة مها الحجيلان إلى مقال إلكتروني لأحد أعضاء الجمعية السعودية الأهلية لحقوق الإنسان قال فيها:"بعض هؤلاء الأبناء يستكثرون على الأمة أن تفرح لواقعة من قدر الله تقع على أمة من أمم الكفر تعيث في الأرض فساداً وتجري دماء المسلمين أنهاراً في كل حين، ويعدون هذا مخالفاً للإنسانية ويدبجون في الأسى على تلك الأمة الطاغية المتجبرة المقالات والخطب والمراثي... ولا أدري ماذا يريدون". ولعل أطرف تعليق على كارثة"كاترينا"? غير الطريفة أبداً - هو بيان إلكتروني في موقع متطرف، زعم كاتبه أن أسامة بن لادن معجب بالمجاهدة"كاترينا"ويحث إخوانه المجاهدين على الزواج منها إن لم تكن كذلك! إن كانت النماذج السابقة دينت بشكل كبير على صعيد النخبة السعودية، إلا أن صدور تلك التصريحات عن أشخاص يملكون تأثيراً واضحاً، أو من منابر إعلامية ذات انتشار معلوم، فإن الإدانة النخبوية وحدها ? سواء كانت عبر وسائل الإعلام أم في المجالس - لا تكفي لمحو الأثر السلبي الذي أحدثته تلك التصريحات على الصعيد الدولي تحديداً، كما أنها تعجز عن خلخلة البنية الثقافية التي أفرزت ذلك التشفي غير الإنساني مطلقاً! يمكن للتلفزيون السعودي أن يقوم بدور إيجابي فاعل في هذا السياق، وهو صاحب التجربة السابقة، في حملات التبرعات التي جمعت لأفغانستان وفلسطين خلال العقدين المنصرمين، تارة باسم المقاومة وأخرى باسم الشعوب. آمل أن تتبنى جهة رسمية حملة تبرعات إنسانية لضحايا كاترينا عبر التلفزيون والإذاعة والصحف، خصوصاً أننا نعلم علم اليقين أن تلك الأموال ستذهب إلى جهة معروفة تعمل وتحاسب، وأنها ستصرف المساعدات في ما خصصت له، من دون أن يتورط مستقبلوها في تصرفات غير سوية، ومن دون أن يتهم مقدموها بتمويل"الإرهاب". من الممكن أن تصنف هذه المبادرة ضمن ما يسمى بالديبلوماسية الشعبية، التي يفترض أن توازي الدبلوماسية الرسمية في العلاقات بين الدول، وپ"الشعبية"حوار بين شعبين أو أكثر بلغة المشاعر الأبقى والأصدق، أما"الرسمية"فهي لغة المصالح بين الأنظمة، وغالباً ما تكون الأولى في المدى الطويل أكثر فاعلية وتأثيراً من الثانية بسبب المتغيرات الزمنية والمادية. وللأسف فإن متانة العلاقة الرسمية السعودية والأميركية تاريخ العلاقات التجارية والثقافية بين البلدين، صاحبهما غياب الديبلوماسية الشعبية في صياغة هذه العلاقات، لذلك تمكن 15 شاذاً شاركوا في أحداث سبتمبر من إشعال نيران الكراهية في منتهى اليسر، واستقوى بها خصوم المملكة هناك، وموقدو التطرف هنا. مبادرة بسيطة مثل التي ذكرت يمكن أن تضرب بها السعودية أكثر من عصفور بحجر واحد، على سبيل المثال إحياء النزعة الإنسانية في المجتمع السعودي بعد أن تضررت كثيراً لعوامل ثقافية، منها فكرة"الولاء والبراء"وقراءاتها المتطرفة، أو لعوامل سياسية تتجسد في أدلجة القضية الفلسطينية، وسياسات الولايات التحدة بعد أحداث سبتمبر التي تعتبرها نسبة كبيرة من السعوديين والعرب سياسة شريرة وعدوانية، بغض النظر عن العوامل التي أدت إلى مثل هذه الرؤية. كما أن رد الفعل الأميركي رسمياً أو شعبياً، على مثل هكذا مبادرة سيكون له أكثر من أثر إيجابي، بين رد جميل على جهود الولاياتالمتحدة في إرساء الأمن في الخليج إبان النظام الصدامي البائد، وتحرير الكويت وكوسوفو والبوسنة والهرسك والقضاء على الشيوعية، إضافة إلى وفود الطلاب السعوديين ورجال الأعمال الذين استفادوا من الولاياتالمتحدة قبل أن يفيدوها. وكثيرون سيحيلونها إلى قرار إنساني محض يحلحل كثيراً صورة"الإرهابي"أو"العربيد"التي شاعت أو أشيعت عمداً في الغرب عن العرب والمسلمين عموماً والسعوديين خصوصاً. أتمنى أن يجيء رد الشعب السعودي على المتشفين بپ"كاترينا"عاجلاً غير آجل، بالفعل لا بالقول، بلغة يقدرها العالم، وفي الوقت نفسه تساعدنا على تقويم سلوكنا وتقويمه، فكما أن السعوديين ليسوا إرهابيين فالولاياتالمتحدة ليست اللوبي الصهيوني. صحافي سعودي