وصلت الى بريدي الألكتروني رسالة تكفيرية ساخطة شاتمة أثارها نص كتبته حول تقاعس العرب، حكاماً ومحكومين، عن التضامن الإنساني مع ضحايا تسونامي. وكان قد نُشر بعد أيام قليلة من الكارثة، أي قبل اليقظة المتأخرة والجزئية. تقول الرسالة: "أنت كغثاء السيل أيها البغبغاء نعم، هكذا وليس الببغاء!. أنت أيها المتفلسف النكرة، أتريدنا أن نساعد ضحايا الطوفان من أجل ماذا؟ ماذا سأجنيه من مساعدتهم؟ أساعدهم لكي يعيدوا بناء خماراتهم وبيوت دعارتهم؟ أساعدهم لكي يضيقوا الخناق على المسلمين؟ لعنة الله عليكم يا من تريدون إرضاء الغرب. لعنة الله عليكم أيها الكفرة. أنت أيها المتفلسف... هل ساعدت أهل العراقوفلسطين؟ أم لأنك صيف في ناد ليلي في تايلاند تحزن على الضرر الناجم وتريد أن يعود كل شيء كما كان؟". طبعاً الكاتب التكفيري المغوار كان جباناً بإمتياز لدرجة أنه لم يوقع رسالته بإسمه، رغم كل نبرة التصايح في رسالته ومطالبتي بالشجاعة لتأييد فلسطينوالعراق. يصلني كما يصل كثيراً من الكتاب ردود من اليمين إلى اليسار، وفيها كل أنواع الإتهامات، وهي في معظمها لا تستحق الوقوف عنده. لكن هذا النص مخيف ومدمر ومرعب ويدلل على مستوى الكارثة الثقافية والفكرية والدينية التي لحقت بشريحة لا يمكن التقليل من حجمها ومن سيء أثرها في المجتمعات العربية. أميُّ الثقافة والإنسانية الذي كتب تلك الرسالة ليس هو المسؤول عما آل إليه. هذا صحيح. كما أنه صحيح أيضاً أنه لا يمكن تمييع المسؤولية بتكرار المقولات التقليدية من نوع أن تلك المسؤولية"جماعية يشترك فيها التعليم مع السياسة مع المناخ المتوتر العام". النص المخيف المذكور يصدر عن تطرف ديني لا يؤتمن على أقرب المقربين، وليس مستعداً فحسب أن يمارس الحقد والرصاص طبعاً عندما يصل إليه تجاه"غير المسلمين"، بل أيضا تجاه المسلمين الذي لا تنطبق عليهم مسطرته الفكرية والثقافية الضيقة والإقصائية التكفيرية. أميّ الثقافة والإنسانية صاحب النص التكفيري ليس صوتاً نشازاً، بل هو ناطق وممثل شرعي لألوف الأصوات التي رددت وما زالت تردد كالبغبغاء! أن ما حل بفقراء آسيا غضب من السماء جراء فسقهم، ما يعني، مثلاً، أن أغنياء أوروبا وأميركا بعيدون عن"الفسق"الجالب عليهم لعنات السماء فلا تحل بهم! ليس من الإنسانية أن يُرد على أصحاب الخطاب المتشفي المخجل والعاري من الحد الأدنى من الأخلاق بالقول إن غالبية الضحايا هم من المسلمين، وكأنه لو لم يكونوا كذلك لقُبل موتهم واستُسهلت عذاباتهم. كما ليس من السهل إجتراح"حجج"يمكن سوقها لإقناع المتشفيين بالتي هي أحسن. لكن المحزن والمؤلم في آن معاً عمق الإنحطاط والبؤس الفكري الذي لا يني يتزايد نموه العشوائي والأخطبوطي في كل الإتجاهات، ويسمم الهواء والحياة معاً، ويصر على إبقائنا خارج التاريخ وخارج الإنسانية. سيقول قائل: هذه الكلمات قاسية، فهناك في المقابل غالبية تخالف"فكر التشفي"وتخالف فكر التكفير وقد تضامنت مع ضحايا تسونامي وغيرهم، وكانت لها مواقف شريفة ذات مروءة. هذا صحيح طبعاً، لكنه جزئي. فالغالبية المعتدلة تكاد تكون شبه متواطئة مع فكر التشفي، تتركه يجوس بين ظهرانيها وتعطيه الشرعية، وتستمع له. بل إنها تشعر أحياناً بالخجل من"ممثلي ذلك الفكر"لأنهم"يعملون"فيما الأغلبية"يلفها القعود". أخلاقياً وفكرياً ونشاطياً تشعر الغالبية، مخطئة، بأنها مقصرة مقارنة بضجيج التشفي وعلو صراخه. وبما أن الأمر كذلك تعتقد، مخطئة أيضاً، بأنه لا يحق لها أن تنتقد المتطرفين وخطابهم المدمر. عندما يفشل ألم إنساني عميق بحجم تسونامي في إحداث ولو ثغرة بسيطة في جدران الإنغلاق على الذات والإفتخارية الفارغة، عندها يكون الإنحطاط العام أكثر من مخيف!