لم يرغب القائمون على مهرجان ادنبره الثقافي الذي يقام في العاصمة الاسكتلندية شمال بريطانيا، ان يمر مهرجانهم مرور الكرام من غير ان يكون مميزاً عن غيره من المهرجانات الممائلة التي تحفل بها بريطانيا طوال الصيف. إذ وقبل سنة على احتفالية المهرجان بمرور ستين سنة على تأسيسه، أعلن عن جائزة للقصة القصيرة في بريطانيا هي الاولى من نوعها بعد عقدين من الزمن تقريباً جرى فيه تركيز الاحتفاء على الرواية فقط.. مع الاعلان عن هذه الجائزة سيكون لبريطانيا جائزة هي الاغلى في العالم للقصة القصيرة، اذ حدد لها مبلغ خمسة عشر ألف جنيه اضافة الى ثلاثة آلاف جنيه لكل متسابق يصل الى المرحلة الاخيرة من التصفيات. وبذلك ستقف الجائزة بشموخ امام جائزة مان بوكر للرواية، وهذه الاخيرة تحظى بالكثير من الدعاية والاعلام في بريطانيا وخارجها، وتحقق بالتالي الشهرة لكاتبها، اضافة الى مبلغ خمسين ألف جنيه استرليني للفائز بها. ترعى جائزة القصة القصيرة مالياً مؤسسة نيستا للمنح الابداعية في مجال العلوم والتكنولوجيا والفنون، بينما ينقسم الرعاة الاخرون الى راديو فور في اذاعة البي بي سي وهذه ستذيع القصص الخمس التي ستصل الى القائمة القصيرة في شهر اذار مارس المقبل قبل موعد اعلان الجائزة بشهرين في أيار مايو 2006، وكذلك مجلة بروسبيكت التي ستنشر القصة الفائزة وتروج لها. وتسعى الجائزة الى اعادة الاعتبار الى فن الكتابة المختصرة التي لا تتجاوز 8000 كلمة مكتوبة بالانجليزية كما حددت في شروطها، وستتقبل مساهمتين لكل كاتب، على ان تكون القصة غير منشورة من قبل، او نشرت في عام 2005 فقط. ويترأس لجنة التحكيم الكاتب الكاتب البريطاني وليم بويد. كان هذا الخبر سيمر بصورة خالية من الضجيج الاعلامي لولا اهمية المضمون، أي القصة القصيرة التي عوملت بتجاهل منذ بداية التسعينات، كما اشرنا في المقدمة، عندما قرر الناشرون انها غير كافية لصنع اسم شهير مثلما هي الرواية. كذلك كان الحال مع المجلات والصحف التي اعتادت ان تنشر قصصاً لكتاب السرد، وخصوصاً المجلات النسائية، الا ان تلك المساحة تراجعت لتعبأ بالقصص الواقعية لحياة مشاهير النجوم، ونمائمهم. تبعاً لذلك، فقد الكتّاب حماستهم أمام شكل نثري لا يستدرج المكافآت المادية أو المعنوية، ولا يتحمس الناشرون كثيراً لتبني طباعته. وقد ساد هذا التوجه في العقد الاخير مع استثناءات، اذ ظلت بعض الاسماء يكتب وينشر القصص القصيرة، وظلت الصحافة الجادة تتناول بالعرض والنقد، بين حين وآخر، المجموعات الصادرة حديثاً، سواء المكتوب بالانكليزية او المترجم من لغات اخرى. وبحسب وصف الكاتبة البريطانية آيدة ادماريام التي انتقدت التحيز البريطاني للرواية كمشروع لخلق كاتب مهم، فان"اعطاء الاهمية للكتابة بحسب طولها اشبه بالقول ان المتسابق الرياضي في الخانات الاطول او الاثقل، هو رياضي أهم من غيره!". للقصة القصيرة تاريخ قوي في الغرب، حيث ازدهرت اواخر القرن التاسع عشر وارتبطت بأسماء كتاب عظام مثل غي دو موباسان، إدغار ألن بو، آرثر كونان دويل، تشيخوف، جوزيف كونراد وآخرين. وقد تميزت بكونها أدباً صعباً، فكل كلمة وكل فكرة لا تمر عبثاً. وهي فن التركيز من الكاتب والقارئ معا، ومن الظلم ان تقارن بفن الرواية. وقد قيل ان القصة القصيرة هي المعادل النثري للقصيدة الغنائية. ووصف بعض النقاد القصة القصيرة بانها"امتحان في الكتابة النثرية قد لا ينطبق على كتابة الرواية". انها بتعبير آخر"فن التفاصيل الصغيرة"كما كتب القاص الاميركي الراحل ريموند كارفر في الثمانينات، مشيراً الى أن تفاصيل مثل"الكرسي، ستارة النافذة، الشوكة، الحجر، قرط امرأة، كلها لها قوة عظيمة عندما تذكر في القصة". لكن ما المقصود بپ"قصيرة"عند وصف القصة الادبية؟ وهل هناك مقياس محدد لطولها؟ يتراوح طول القصص التي ينتجها الادباء ما بين قصيرة جداً، وپ8000 كلمة كما حددت الجائزة البريطانية الجديدة. فإحدى قصص كارفر مثلا لا تتجاوز الصفحتين في مجموعته المعنونة ما الذي نتحدث عنه عندما نتحدث عن الحب؟ بينما تتراوح القصص التي ينشرها القاص الاميركي ديف إغرز التي بدأ بنشرها اخيراً في الغارديان الاسبوعي ما بين 250 الى ستمئة كلمة. في المقابل وصلت قصة أليس مونرو حب امرأة جيدة الى 60 صفحة، ووصلت قصص بعض الكتاب الى 90 صفحة لتتاخم حدود النوفيلا، أو الرواية القصيرة. ان ازدراء فن القصة القصيرة ظاهرة بريطانية، او اوروبية في شكل عام، بينما استمرت الصحافة الادبية الاميركية تحتفي بهذا الفن، ولا يزال العديد من الجهات الاكاديمية والثقافية تصدر انطولوجيا للقصة القصيرة، مثل مجلة النيويوركر، وهناك سلسلة أفضل القصص القصيرة الاميركية السنوية التي تختار قصصها من المنشور في المجلات الاميركية والكندية. أيضاً سلسلة افضل الاصوات الاميركية وهي انتخاب لأهم انتاج ورشات الكتابة التي تدار في انحاء الولاياتالمتحدة. "عندما تكون القصة القصيرة جيدة، فإن تأثيرها وقوتها تتجاوز حجمها"تقول آيدا ادميريام،"فعوالم باكملها تقف هناك تنتظر من يبحر في لغتها وشخوصها". وتتميز القصة كفن كتابة سردية انها لا تقف عند شكل ثابت اذ لم تعد القصة التقليدية التي تنتهي بلحظة التنوير، وان كان البعض لا يزال يكتب بهذه الطريقة كقصة مارغريت آتوود القريبة هير بول او كرة الشعر. بعد الاعلان عن هذه الجائزة لا بد من ان العديد من الروائيين البريطانيين المعروفين سيتحمسون للكتابة مرة اخرى في هذا الفن، اذ يقع بعضهم أحياناً في مطب تطويل فكرة لا تحتمل المط، لمجرد تقديم رواية بدلاً من قصة فقط كي يحقق انجازاً في فن الرواية المحتفى به أكثر من القصة، مثال على ذلك الرواية الاخيرة للكاتب الايرلندي وليم تريفر قصة لوسي غولت التي كانت رشحت للقائمة القصيرة لجائزة مان بوكر، بينما رأى كثير من النقاد أنها لا تصلح ان تكون سوى قصة قصيرة طويلة. أختم الموضوع بتعليق طريف للكاتب الاميركي إغر الذي علق على تجاهل القصة القصيرة هنا في بريطانيا بقوله:"ماذا نفعل لكي نجعل بريطانيا ثم اوروبا بالتالي، تعشق القصة القصيرة وتتبنى المجلات والمطبوعات التي ترعاها، وتقدم بالتالي الكتاب الجدد فيها؟ ويحيل إيغر الى الاسلوب الاميركي في السياسة فيسأل ساخراً"هل نستخدم القوة، وهي الفكرة الوحيدة التي تستخدم الان في الولاياتالمتحدة، كما فعلنا في أماكن أخرى، وندعوها تحريراً!". نشر إيغر تهديده قبل الاعلان عن جائزة للقصة القصيرة في بريطانيا، ومن المؤكد ان تأثير الجائزة على الحراك الادبي سيكون أقوى بما لا يقاس باستخدام القوة!!