كرر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، أمس، رفضه السماح للتيارات الإسلامية المتشددة بممارسة العمل السياسي، وهاجم بعنف"الأصوات الحقيرة"التي دافعت عن قتل الديبلوماسيين الجزائريين في العراق قبل أسابيع. وجاء كلام رئيس الجمهورية في وقت اعتبر مدني مزراق، قائد تنظيم"الجيش الإسلامي للإنقاذ"المنحل، أن"ميثاق السلم والمصالحة"الذي دعا بوتفليقة الشعب الجزائري الى الاستفتاء عليه يوم 29 أيلول سبتمبر المقبل، صنيعة"دوائر استئصالية"في الحكم. وتحدث مزراق في لقاء مع الصحافيين في العاصمة بحضور أحد الوزراء المؤيدين للرئيس الجزائري، عن"الميثاق"وما تضمنه من تدابير قال إن بعضها يحمل"ظلماً وزوراً"لوقائع شهدتها البلاد خلال تصاعد أعمال العنف منذ مطلع التسعينات، ومن ذلك ملف المفقودين الذي قال انه من تدبير مؤسسات الدولة. واستنكر عبارة وردت في الميثاق تعتبر ان ما حدث"كان فعلاً معزولاً". وشدد على أن وثيقة ميثاق السلم والمصالحة"ليست مشروع بوتفليقة مئة في المئة. إنها مشروع متفاوض عليه، وقد تم ذلك مع جهة استئصالية ساومته، والرئيس بوتفليقة نفسه اعترف بذلك وقال ان هذا ما سمحت به التوازنات الوطنية". ورأى أن الذين حرروا الوثيقة صاغوها"بذكاء ولم يسمحوا بتصحيح أي خطأ أو زور أو كذب في هذه الوثيقة. وضعوا الناس كلهم أمام الأمر الواقع. خيّرونا إما أن نقول نعم أو لا". ووصف بعض ما ورد في الميثاق ب"السم الذي سنتجرعه ونصبر عليه إلى حين". وقال مزراق رداً على سؤال"الحياة"إن"التيار الاستئصالي لا يزال قوياً في أجهزة الحكم". وأضاف:"الرئيس بوتفليقة اعترف بنفسه أن الميثاق أقصى ما يمكن أن تسمح به التوازنات الوطنية الحالية". لكنه قال إنه مستعد للتخلي عن حقه في ممارسة السياسة"حتى لا نترك بيد هؤلاء ورقة رابحة يلعبون بها". وسألت"الحياة"مزراق عن موقفه من الأحكام التي وردت في ميثاق السلم والمصالحة والتي تحظر على قادة"الجبهة الإسلامية للإنقاذ"ممارسة النشاطات السياسية، فرد بأنه في ما يخص العناصر التي كانت تحت قيادته ضمن"جيش الإنقاذ"والتي استفادت من أحكام مرسوم العفو الرئاسي في كانون الثاني يناير 2000 فإن حقهم في ممارسة السياسة مكفول قانونياً ف"نحن في جيش الإنقاذ لدينا مرسوم رئاسي رسمي ينص صراحة على تمتع جميع الأفراد بجميع الحقوق المدنية والسياسية ولا يحق لأي كان أن يمسه. نحن محميون قانونياً ومن يحاول نزعه هذا الحق سنلجأ إلى العدالة". وأضاف:"وعلى رغم هذا، إذا كان الرجوع إلى السياسة سيتسبب في مشاكل سنتخلى عن حقنا، ولدينا مئة مجال غير السياسة لخدمة الشعب الجزائري". وقدّم مزراق دعماً غير مشروط لمسعى الرئيس الجزائري، لكنه قال إن ميثاق السلم والمصالحة"كُتب بالفرنسية ثم ترجم، ويبدو واضحاً أن نسق التعبير ضعيف جداً". ولفت إلى أن الجهة التي حررت الميثاق"لم تترك فرصة لمراجعته ووضعت الجزائريين أمام خيارين إما قبوله أو رفضه في الاستفتاء الشعبي". وتحدث مزراق عن قضية علي بن حاج الذي وضع رهن الحبس الموقت في انتظار محاكمته بسبب تصريحاته إلى قناة"الجزيرة"والتي اعتُبرت إشادة بجماعة"أبو مصعب الزرقاوي"التي قتلت الديبلوماسيين الجزائريين في بغداد. وقال إن بن حاج طرح قضية الديبلوماسيين بطريقة"أوقعته في المحظور". وتابع أن الرجل الثاني في الحزب الإسلامي المحظور"كان بمقدوره أن يستغل الفرصة لتقديم الأدلة والأسباب التي تسمح بإطلاق الديبلوماسيين الجزائريين وهي كثيرة ويرجئ الأسباب التي تقتلهم وهي قليلة". وتعهد العمل لدى"من يملكون القرار وبعملنا الجاد مع كل خيّر غيور سنفعل المستحيل لإطلاق سراحه لفسح المجال أمامه ليساهم في خدمة البلاد". ورداً على تساؤلات في شأن موقف منظمة العفو الدولية "أمنيستي أنترناشيونال" الرافضة مبدأ العفو، قال مزراق:"أنا مستعد لأمثل أمام محكمة يشرف عليها أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي وأقول له فيها بأنني خضت معركة شريفة"خلال فترة تصاعد أعمال العنف. وأكد استعداده لدفع الثمن لذلك:"أنا مستعد لأن أقف في ساحة الشهداء أكبر ساحات العاصمة وأن أُقتل بالسلاح إن كان في ذلك مصلحة للجزائر". تهديدات الرئيس إلى ذلك جدد الرئيس بوتفليقة، أمس، رفضه القبول بالأوساط المتشددة في"جبهة الإنقاذ"المحظورة أو الجماعات الإسلامية المسلحة التي ساهمت في دفع البلاد إلى الأزمة الدامية. وخاطب الرئيس الجزائري القضاة خلال حفلة تخرج دفعة جديدة قائلاً:"كل أولئك الذين تسببوا في الفتنة من قريب أو من بعيد لا نريدهم في الساحة السياسية". وكان الرئيس الجزائري تحدث في كلمته خلال اجتماع مجلس الوزراء، الاثنين، عن الأطراف التي دعت إلى تصفية الديبلوماسيين الجزائريين المختطفين في العراق قبل أسابيع، وأنكر عليهم مواقفهم. إذ قال:"ألم نسمع، على هامش ما جمع الشعب الجزائري من تواصل رائع، أصواتاً حقيرة؟ ألم نسجل السلوكات الآثمة التي ظهرت للتهليل لاختطاف ديبلوماسيينا ببغداد ومباركة اغتيالهما؟". وتجنب الرئيس بوتفليقة ذكر الجهات التي كان يقصدها بهذه التصريحات، لكنه لمح إلى كل من الرجل الثاني في"الانقاذ"علي بن حاج وإلى التيار المتشدد في تنظيم"الجماعة السلفية للدعوة والقتال". وقال بوتفليقة في تصريحات وزعتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية"إن أشخاصاً من مثل هؤلاء ليسوا أهلاً للانتساب إلى شعبنا، ويتعيّن علينا من أجل نبذهم ومقارعتهم مقارعة لا رحمة فيها، لمّ شمل سائر مجتمعنا تحت جناح المصالحة الوطنية"، مشيراً إلى أن المشروع الذي يقترحه على الجزائريين يهدف إلى"تطويق بقية فلول الإرهاب المنتشرة في أريافنا". إلى ذلك سجلت منظمة العفو امنستي أن ميثاق السلم والمصالحة الذي يعرض للاستفتاء على الشعب الجزائري قريباً، يهدف إلى"إعفاء قوات الأمن والقوات المسلحة، على السواء، من المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ومثل هذه الأحكام لا تتماشى مع التزامات الجزائر، بمقتضى القانون الدولي". وكان الرئيس الجزائري دان في شدة"الأصوات الناعقة"في الخارج، في إشارة إلى منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، وتعهد أن يوفر"حصانة باسم الشعب"لكل المؤسسات التي"تولت مهمات مكافحة الإرهاب لإنقاذ الجمهورية". ومعروف ان منظمات حقوقية دولية تتهم أجهزة الأمن بالضلوع في تجاوزات لحقوق الانسان وفي خطف آلاف الأشخاص الذين"اختفوا"خلال سنوات التسعينات.