كريم غطّاس يواصل رهانه مع سبق الاصرار: مهرجان عالمي للجاز في لبنان! مهرجان يضمّ أربعة عروض فقط، كلّها مميّز ورفيع المستوى، على مسافة ثلث ساعة من بيروت، في موقع أثري لم يألفه الجمهور العريض، وخصوصاً بعد انتهاء زحمة المهرجانات"الصيفيّة"، وسفر الجزء الأكبر من المصطافين والسيّاح وسكّان المغتربات الذين خلعوا ملابس الاجازة وعادوا الى جامعاتهم وأعمالهم في مدن المهجر الضبابيّة الباردة. وكريم غطّاس هو الآخر كبر في المهجر الفرنسي... وذات يوم، قرر أن يعود الى الجذور، أن يطلق مغامرة جديدة في بلده الأصلي. حمل خبرته الواسعة في عالم الجاز، جاء بحماسته ولكنته الفرنسية المحببة حين يتكلّم لغته الأصليّة، وأطلق العام الماضي"ليبان جاز"Liban Jazz بالاشتراك مع"مهرجان زوق مكايل"الفتي الذي يجاهد لاحتلال مكانته على خريطة فنيّة مزدحمة في الصيف اللبناني رئيسته زلفا بويز.. النسخة الأولى من مهرجانه، جاءت مثيرة ومفاجئة، إذ وقف في تلك البلدة الهادئة على التلّة، فوق خشبة المدرج الذي بناه نهاد نوفل رئيس بلديّة الزوق، فنّانون عرب وعالميون من وزن أرشي شيب وأنور براهم وظافر يوسف. وها هو"مهرجان ليبان جاز"يعاود الكرّة، محافظاً على المستوى العالمي، متيحاً للجمهور اللبناني والعربي أن يكتشف فنانين وموسيقيي جاز يحتلون اليوم موقع الطليعة على الساحة العالميّة، ويجمعون بين الوفاء لروح الجاز، والانفتاح على جذور ومصادر موسيقيّة أخرى. ابتداء من مساء غد السبت، تفتتح الدورة الثانية من"مهرجان الجاز في لبنان"، في مدرج بلدة زوق مكايل إذاً، بأمسية تحييها مجموعة موسيقية من الهند، هي"رباعي تريلوك غورتو"ويتضمّن الغيتار جان أوزفيرين والكمان كارلو كانتيني، باص ايمانوييل نغول بوكوسي، إضافة إلى الغناء والايقاع طبعاً تريلوك غورتو. والأخير الذي تربّى في بومباي على صوت أمّه المتخصصة بالاداء التقليدي، وعلى يد أبرز معلّمي الطبلة، يمزج بنجاح بين روح الجاز والتراث الهندي، والموسيقى الشرقيّة بكل عام. وغورتو الذي ألهب ال"رويال إليزابيت هول"في لندن العام الماضي، عزف مع بعض الموسيقيين الكبار من يان غارباريك... إلى رافي شنكر، وهو يترك في ادائه حيّزاً واسعاً للارتجال. كما انّه شارك أخيراً في تجربة مع روبرت مايلس، فارضاً نفسه كأحد رموز ال"وورلد ميوزيك"في العالم. والمهرجان الذي يراهن على التفاعل بين موسيقى العالم والبيئة المحليّة، دافعاً في اتجاه لقاءات استثنائيّة بين فنّانين آتين من مناح مختلفة، سيقدّم لجمهوره مساء الغد فقرة فنيّة خاصة. إذ يدعو عازف الايقاع والموسيقي اللبناني الشاب بشّار مارسيل خليفة إلى العزف مع غورتو والرباعي. وهذه المواجهة قد تكون مدهشة ومفاجئة، كما كان الأمر في الموسم الماضي حين انضمّ عازف الترومبيت اللبناني ابراهيم معلوف إلى رباعي"أرشي شيب"الشهير. والتجربة نفسها ستتكرّر يوم الاربعاء المقبل، إذ تستضيف مينا آغوسي عازف الكلارينيت بشير سعادة الذي ينضمّ إلى ال"تريو"، ليعزف الى جانب ريمي شودانيو كونترباص وإيشيرو أونوي الدرامز وغناء أغوسي نفسها. والمغنية من رموز ال"إلكترو جاز"، تمزج بين الجاز والروك والإلكترو، ولا تتردّد في استعادة بعض أغاني جيمي هندريكس. وسيكون موعد جمهور"مهرجان الجاز في الزوق"يوم الجمعة 9 أيلول سبتمبر، مع الثلاثي الفرنسي ألدو رومانو درامز - لوي سكالفيس كلارينيت/ ساكسوفون سوبرانو - هنري تيكسييه كونترباص. وهذا الثلاثي عاد الى قلب موسيقى الجاز، إذ غاص على جذورها الافريقيّة... وقام برحلات ثلاث إلى القارة السمراء، في تلك البلاد التي"يمنع فيها الضجر"، ونهل من تلك الايقاعات، قبل أن يحمل تجربته الى كلّ أنحاء العالم: نيويورك، طوكيو، لندن، مونتريال.... وصولاً إلى نواحي بيروت. ومسك ختام مهرجان الزوق قامة كبيرة من قامات الجاز، هي مغنيّة ال"ريتم - اند - بلوز"ليز ماكومب. رباعي ماكومب الآتي من الولاياتالمتحدة، يجمع بين الأورغ والكونترباص والايقاع والبيانو والغناء. تعزف ماكومب على البيانو وتؤدّي أغاني البلوز بصوتها القويّ الذي يحرّك مشاعر الجمهور أينما حلّت، من فاس المغرب إلى مونترو سويسرا وصولاً إلى ال"كوليزيه"في روما. ليز ماكومب جاءت الى الغناء من عالم ال"غوسبيل"، بدأت في جوقات كنائس كليفلاند أوهايو... قبل أن تغنّي مع عمالقة الجاز والبلوز: جايمس براون، راي شارز، بي بي كينغ. وقد حوّلت القيم الدينية التي يحملها ال"غوسبيل"إلى رسالة سلام في العالم وتضامن بين الأفراد والشعوب من أجل العدالة. اليوم كريم غطّاس يعيش حالة قلق وتوتّر... ها هو حلمه يتحقّق ويأخذ بعداً وطنياً. ها هو الجاز اطار خصب لتلاقي الثقافات والمدارس الفنيّة ودروب الوحي. وها هو الشاب الخجول يكرر ظهوره على الفضائيّات مدافعاً عن مشروعه، وقد صار بإمكانه أن يعبّر عن أفكاره بالعربيّة. دروب الجاز تقود إذاً إلى الوطن، إلى عروبة أخرى ملؤها الاختلاط والتنوّع والتسامح.