لم تبدُ زوق مكايل شمال بيروت مساء أول من أمس أنّها آبهة بالحفلة الذي يحييها الموسيقي التونسي الشاب ظافر يوسف على مدرجها الروماني. فعند استفسار السائق عن مكانها، أجابه بائع الخضار "أعتقد أنّ المهرجانات انتهت". لم يكن الجواب الا بديهيّاً، اذ بدت أمس مدينة "زوق مكايل" اللبنانية، الواقعة في شمال بيروت، ساكنة وتعبةً بعد موسم صيفي مليء بالمهرجانات. كانت الصورة مختلفة على مدرج البلدة: جلس الجمهور بانتظار ظافر يوسف الموسيقي التونسي الأصل الذي عرفه العالم بموسيقاه التي تأثّرت بمنابع الصوفّية والغنائية والجاز. وفي رصيده ثلاثة ألبومات هي: "ملك" و"الصوفيّة الالكترونية" و"ديدجيتال بروفسي". جلس لفيف من الناس في الهواء الطلق في انتظار العرض الذي تأخّر ثلاثة أرباع الساعة عن موعده المقرر في الثامنة والنصف مساء. دخل يوسف ثم تبعه العازفون النروج والالمان الثلاثة ديتر ايغ على الكونترباس، ورون آرنسن الايقاع، وايلفند آرست على الغيتار الالكتروني وقد برهنوا لاحقاً عن مهارة ومهنيّة عالية في العزف. قدموا مقطوعات من ألبوم "ديدجيتال بروفسي"، تحت اضواء المسرح الخافتة، التي زادتها جمالاً أضواء مدينتي جونيه والكسليك المنعكسة في البحر، متحوّلةً لوحة متناغمة وهادئة الجمال. أمّا على المدرج، فكان صوت ظافر يوسف يطلق ألماً سحيقاً. لكنّ الصوفي في الغناء اقتصر على جملة تفجّعية يتيمة كرّرها الموسيقي الشاب على وقع المعزوفات كافّة. كان ميله واضحاً في تغليب الزخرفات الالكترونية على الميلودي شبه الواحدة التي طغت على معظم ما ادّاه بصوته. أمّا الجمهور فكان تفاعله جليّاً مع أداء العازفين للخلفيات المستوحاة من موسيقى الجاز أكثر من تجاوبهم مع التدخّلات الشرقيّة في الموسيقى. وكان أداء العازفين، بمن فيهم ظافر يوسف، متفوّقاً على نوعيّة الموسيقى من حيث جماليّتها أو جدّتها. كان حضور يوسف الخفيف لافتاً، اذ راح يمدّ جسور تواصل مع الجمهور الذي يراه للمرّة الاولى في لبنان: يمازحه تارةً عبر تقديمه "المميّز" للعازفين وطوراً عبر مخاطبته مباشرة. بدا يوسف حريصاً ويقظاً تجاه ردّات فعل الجمهور، وعندما لاحظ أنّ البعض بدأ يهمّ بالمغادرة بعد نصف ساعة من الحفل، دعاه ممازحاً باللغة الفرنسية: "لا تذهبوا اذ لم يعد هناك الكثير من الوقت لننتهي".