بدأت علاقتي بسامي قبل نحو ست سنوات. كنا زملاء في صفّ اللغة الإيطالية. في ذلك الوقت لم أعرف أنني سأقع في حبّ شاب يتقن أكثر ما يتقن لغة العيون والنظرات. بعد ثلاث سنوات من الاعجاب المقنّع وربما التردد، طفا على وجهنا أخيراً ما كان يختمر في داخلنا. كنت على قناعة في المرحلة الأولى بأن من الطبيعي ألا تشبه علاقتي أياً من أحلامي. أردت أن أكون فتاة واقعيّة وغير متطلّبة. أردت سامي في حياتي مهما كان الثمن... حتى ولو كان نصف سامي أو ربعه! كان غيابه عنّي يؤلمني، لكنّ وجوده ولو لأيام قليلة في الشهر كافٍ لأستمرّ في محاكاة هاتين العينين عندما كانتا تصرّان على أنّ من رابع المستحيلات أن تتخليا عنيّ. غريبة هذه العلاقة التي لم أجرؤ طوال سنوات على خنقها بملء ارادتي فسمحتُ لها بخنقي. كانت تتوطد وتضعف، تتأجج وتنطفئ. مدّ وجزر أنهكا قلبي وشوشّا بصيرتي. قررت الانفصال مرّات عدّة ولكن لم يكن يقوى أحد منا على المضيّ في هذه الخطوة وقتاً طويلاً لأنني كنت أصدّقه عندما كان يقول إن قلبه مثل عينيه، لم يألف الكذب أبداً. منذ سنة تقريباً، كنّا سامي وأنا في مرحلة شبه انفصال وكنت خلالها شديدة الرهافة إزاء كل ما يتعلق بموضوع علاقتنا. زارني مروان وهو صديق يدرس هندسة الكومبيوتر في الولاياتالمتحدة، وكان يمضي عطلة السنة في بيروت. فسألني ماذا حلّ بعلاقتي العاطفيّة مع سامي بعد سفره. لم أجبه. بكيت. ماعدّت أعرف إذا كانت عبارة"علاقة"لا تزال تصف ما يربطني بسامي. أفضيت اليه بشكوكي وحيرتي حيال صدق سامر معي كلّما سألته عن وجود فتاة أخرى. لكنني قلت له إنني لست من هواة الأفلام الأميركية لأتعقبه أينما ذهب. ضحك مروان وقال لي:"بسيطة. يكفي أن تكوني اليوم من هواة التكنولوجيا الأميركية". كان مروان يتكلّم عن الإنترنت وتحديداً عن البريد الإلكتروني. هل حلّ معضلتي سهل الى هذه الدرجة؟ فكّ اللغز يقضي بإدخال برنامج خاص إلى الكومبيوتر يرسل كلمة سرّ البريد الالكتروني الذي تريد كشف محتوى رسائله حالما يكتب المستخدم هذه الكلمة. طريقة الاحتيال هذه هي ما يسمّى Hacking. أردت تلطيف فكرة أنني ربما على وشك اكتشاف خطأ فادح باقتراف خطأ أكبر والتلصص على سامي، فأقنعت نفسي بأنّها الطريقة الوحيدة وإن لم تكن حميدة. كنت أسمع قلبي يطرق بحنق وكأنّه يصفعني، فيما كنت ألتهم بنظرات رافضة رسائل الحبّ الرابضة أمامي والتي تلقّاها سامر من فتاة أخرى. علا غضبي على الشاشة لأنها كانت تصرخ بكلّ ما كانت شكوكي تحاول همسه سابقاً. شعرت للحظة بنوع من الانتصار لأنني أوقعت بسامي على حين غرّة وعرفت حقيقة فشل علاقتنا على رغم استمرارها. ولكن كيف أواجهه بما عرفته ؟ هل أقول له إنني أنتهكت خصوصيّته وأنا جالسة في غرفتي؟ هل أخفي عنه ما فعلته فأتظاهر بعدم معرفة شيء وأستمر في قراءة رسائله بما أنّني حصلت على نسخة من مفتاح بريده؟ ما عدّت أعرف إن كانت هذه الخطوة التي بادر مروان باقتراحها عليّ بركة أم لعنة. أردت أن أكون الضحيّة مئة بالمئة فلا يقع عليّ لوم ولا تُمد نحوي أصابع الاتهام. أردت أن أرى سامي مستاءً من كذبه وفاقداً صوابه لمعرفتي أشياء اجتهد باخفائها عني شهوراً عدة وبرع في ذلك فوق كلّ اعتبار. طبعت الرسائل وقرأتها مرات عدّة علّني أجد مبرراً لما حلّ بعلاقتنا. لكنّ المبرر لم يعد مهماً. العلاقة كانت فقدت علّة وجودها منذ أكثر من سنة. لم يكن الانترنت إلا وسيلة من وسائل التكنولوجيا التي بررت غاية من غايات الحب.