مع انهم عاشوا ويعيشون من الكوارث ما يكفيهم، الا ان العراقيين اظهروا"تعاطفاً معنوياً"مع ضحايا كارثة تسونامي. ويستدرك مسؤول مالي في الحكومة العراقية قائلاً انّ"وضعاً مختلفاً كان سيظهر الى العلن لولا ظروف البلاد غير الطبيعية"، في اشارة الى ان الحكومة كانت تأمل في الانضمام الى الدول المتبرعة لضحايا الكارثة. من النادر ان تجد عراقياً لم يبد نوعاً من أنواع التعاطف"المعنوي"مع ضحايا باندا اتشي في اندونسيا او مدن الساحل حول جزيرة سريلانكا، غير أنّ كثيرين منهم يؤكدون:"لا نشعر بتأنيب ضمير، فعلى الأقل لم نستورد ابناء تلك المناطق كخدم وخادمات في بيوتنا". ميسون الخزرجي تنتقد مواطني دول اسلامية وعربية غنية بسبب التبرّعات الشحيحة لضحايا تسونامي لافتة الى أنّ"الملايين من ابناء دول ضحايا تسونامي يعملون كخدم في دول عربية واسلامية. ومن يتعامل مع هؤلاء كعبيد لا يمكن ان يمد لهم يد المساعدة". وحول"ثقافة تشغيل الخادمات الآسيويات"السائدة في دول مجاورة للعراق، تشير الخزرجي الناشطة في العمل الإنساني والمتطوعة في"جمعية الهلال الأحمر"الى أنّه خلال الحرب الأخيرة على العراق"لم نعرف مثل هذه الثقافة التي تكرّس شكلاً من أشكال العبودية. وهو ما جعلنا لا نشعر بتأنيب الضمير بسبب مشاركة العراقيين في تقديم العون الى ضحايا كارثة تسونامي في اندونيسياوسريلانكا". العراقيون أولى بالعون لكن غياب"الخادمات الآسيويات"عن بيوت عراقية وان كانت ميسورة، لا يعني غياب ثقافة"الخدم". وهذا ما يشير اليه الباحث الإجتماعي صادق العزاوي"صحيح انّنا في العراق لم نستورد خادمات، لكنّ هذا لا ينفي عدم وجود نظام الخدمة في بيوت عائلات ميسورة". ويؤكد العزاوي أنّ"الثراء السريع لفئات من تجار الحروب وعناصر أجهزة السلطة المتنفذة في الحكم السابق والحالي على حد سواء، أدّى الى وضع مناسب لخدمة عراقيين وعراقيات في البيوت". ويشير العزاوي الى ان اشكال الخدمة في البيوت"تعتبر واحدة من اشكال العمل القسري. فالعامل هنا وبحسب ثقافة صاحب العمل القائمة على السطوة، يقارب العبد". وتشير ميسون الخزرجي الى انخراط عائلات عراقية فقيرة بأكملها في"خدمة البيوت". فالاب قد يكون حارساً او فلاّح حديقة في أحسن الأحوال، بينما يعمل الابن سائقاً والابنة منظفة وغاسلة ملابس وصحون والأم طباخة. غير انها لا ترى في ذلك"شراً اجتماعياً"على الأقل في ظروف البلاد الصعبة ف"الخدمة في البيوت خلال سنوات الحصار وفّرت مصدر رزق للكثير من العائلات الفقيرة وابعدتها عن ذلّ الحاجة ". مسؤول حكومي شارك في اجتماعات الدول المانحة للعراق يقول ان"تحولاً في البلاد يمكن تلمّسه في السنوات الخمس المقبلة. اذ سيتحوّل العراق من دولة تستقبل المعونات الى دولة مانحة"في اشارة الى غياب العراق عن ساحة المعونات الدولية. في المقابل، يقول الشيخ محمود ان"أهل العراق اولى هذه الأيام بالعون والمساعدة حتى وان كان الضحايا في تسونامي من المسلمين". ويضيف منتقداً اجراءات مساعدة تبناها النظام السابق في العراق"كان اهل البلاد يتضورون جوعاً، الا ان الحكم السابق تبرع بعشرة ملايين دولار لمساعدة ضحايا زلزال ضرب منطقة في تركيا وقرر بناء منازل قرية تهدمت بيوتها"! تغيرت اوضاع العراقيين اليوم وراحوا يخرجون تدريجاً من مدار الضائقة الإقتصادية. إلا ان وقتاً طويلاً سيمضي قبل أن يقدروا على التحوّل الى فاعلين في مجال الدعم الإنساني. الإحصاءات الأخيرة التي اجرتها وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية بالتعاون مع مشروع التطوير الإنمائي التابع للإمم المتحدة يو ان دي بي كشفت عن ان نحو 36 في المئة من العراقيين يقرون بأن اوضاعهم الإقتصادية جيدة، اذا ما قورنت باوضاعهم قبل سقوط النظام السابق، وان مشترياتهم من الأغذية والملابس زادت ثلاث مرات عن الفترة التي سبقت العام 3002. الا ان تلك الارقام لا تعني نهاية قريبة لأوضاع من الفقر والتخلف في مدن عراقية لا تختلف في مشاهدها كثيراً عن مدن الكارثة الآسيوية. عراقيون يعلقون ساخرين:"اذا كانت الكوارث الطبيعية أتت على الزرع والضرع في مناطق عدة من العالم، فاننا ابتلينا بكارثة بشرية اسمها صدام الذي ألحق دماراً ببلادنا فاق كل ما ألحقته كوارث الزلازل والفيضانات في العالم".