أوضحت مصادر مطلعة على الموقف الاميركي في بيروت ان واشنطن، على رغم تطابق مواقفها المعلنة مع المجموعة الاوروبية ومع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، على وجوب انسحاب القوات السورية من لبنان وتفكيك اجهزة الاستخبارات فيها واجراء تحقيق جدي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تستعمل لغة في التعاطي مع هذا الملف تختلف عن اللغة الاوروبية. وتقول هذه المصادر ان الولاياتالمتحدة الاميركية او أياً من المسؤولين فيها سواء في الخارجية ام في الدفاع ام في البيت الابيض لم يوجهوا اتهاماً مباشراً او غير مباشر الى سورية او السلطة اللبنانية في عملية اغتيال الحريري كما ألمح وزير الخارجية البريطاني جاك سترو او غيره من المسؤولين الاوروبيين، اضافة الى ان المطالبة بتحقيق دولي كما جاء على لسان الرئيس الفرنسي جاك شيراك في اليوم الاول للجريمة لم تحظ بتأييد اميركي. وتؤكد هذه المصادر ان واشنطن ستصر على الانسحاب الفوري للقوات السورية من لبنان وعلى تفكيك اجهزة استخباراتها في جميع انحاء البلاد لكنها لم تربط ذلك بمصير الانتخابات النيابية كما يشير الموقف الفرنسي في هذا المجال الذي يوحي بأن اجراء الانتخابات النيابية مرتبط بالانسحاب السوري الذي يجب ان يحصل قبل هذا الاستحقاق المصيري. وتعتقد المصادر نفسها ان الادارة الاميركية يمكن ان تتعامل مع أي خطوة جدية لسورية ولبنان بمرونة وتساعد على حلحلة الوضع الذي ينذر بالانفجار في حال بقيت المواقف على حالها في جبهتي المعارضة والموالاة وكذلك في الموقف السوري. وتعتبر هذه المصادر ان المعارضة وصلت في مطالبها الى اعلى سقف ولم تترك مجالاً او هامشاً للمناورة او التفاوض مقدمة لإخراج يحفظ لها ماء الوجه ويسمح للسلطة اللبنانية ولسورية باتخاذ اجراءات تلبي بعض مواقف المعارضة وتشجع العواصم الغربية وبخاصة باريسوواشنطن وتقنعها بأن دمشق تخلت عن الخطابات ودخلت في مرحلة الاجراءات لتنفيذ ما هو مطلوب منها قبل اللجوء الى اجراءات ربما أدت الى حصار النظام السوري وبالتالي الدخول في مرحلة صراع طويلة وقاسية على كل من لبنان وسورية تكون نتائجها بالتأكيد سلبية جداً على دمشق وعلى السلطة في بيروت. وتورد المصادر نموذجاً من هذه الاجراءات السورية التي يمكن ان تساعد في فهم جدية دمشق في التعامل مع ما تطلبه واشنطن وأوروبا فتقول ان الولاياتالمتحدة ممكن ان تقبل بأن تبادر سورية وبجدية ملحوظة الى سحب قواتها كمرحلة اولى على اساس الطائف وتأجيل بند تجريد الميليشيات المسلحة اللبنانية وغير اللبنانية الى وقت لاحق، ولكن يجب ان يرافق ذلك وقف فوري للتدخل السوري في الشؤون الداخلية اللبنانية وإزالة جميع مكاتب استخباراتها الناشطة في كل انحاء لبنان، وتضيف هذه المصادر ان المطلوب من السلطة اللبنانية اجراء ما على صعيد الجريمة التي أودت بحياة الرئيس رفيق الحريري وأقله استقالة وزير الداخلية او تنحية جميع القادة الامنيين عن مسؤولياتهم ريثما ينتهي التحقيق وان مثل هذه الخطوة ستجعل المطالبة الملحة للمعارضة باستقالة الحكومة اقل قبولاً وتمنع الدخول في المجهول في حال سقوطها سواء في البرلمان بحجب الثقة عنها أم في الشارع كما تتمنى المعارضة ذلك. وفي هذا السياق تقول مصادر سياسية رفيعة أخرى وزارية ان الكلام الذي تداوله بعض الاوساط السياسية وتناقلته وسائل الاعلام من ان الرئيس عمر كرامي سيقدم استقالته وأن وزير الاقتصاد عدنان قصار هو مرشح محتمل لترؤس حكومة اتحاد وطني هو كلام غير دقيق لأن الحكومة حزمت أمرها وضمنت ان اكثر من 65 نائباً سيمنحونها الثقة سواء طرحها رئيسها عمر كرامي ام طرحتها المعارضة بعد نقاش تتوقع هذه المصادر ان يخرج عن المألوف في التخاطب داخل المجلس النيابي بسبب حجم الاتهامات التي ستوجه الى وزيري الداخلية والعدل والى الحكومة ككل والى الرد الذي سيتولاه عدد من نواب الموالاة اضافة الى رد رئيس الحكومة عمر كرامي. وتقول هذه المصادر ان الاتفاق بين الحكومة ورئاسة المجلس النيابي قائم على ترك اللعبة الديموقراطية تأخذ مجراها وان المطلوب ان يقوم كل فريق بدوره لأن الحكومة، وبحسب هؤلاء، بحاجة الى ثقة المجلس النيابي لاستعادة المبادرة التي فقدتها في الشارع ولدى الرأي العام وكذلك في الاوساط الدولية لتظهر للجميع انها تتمتع بثقة الشعب الممثل بالمجلس النيابي وان كان الجميع يعرف تمام المعرفة ان دمشق"تملك"الغالبية النيابية في البرلمان وانها ما زالت تمسك بها وبالتالي فإن رئيس الحكومة يمكنه ان يدافع ويقوم بهجوم مضاد على المعارضة باسم الغالبية النيابية وباسم الديموقراطية وان كان البعض يعتقد بأن هذه الغالبية لم تعد تمثل الناس الذين عبروا عن رفضهم لهذه السلطة بعد اغتيال الرئيس الحريري وان المطلوب اليوم فريق يعيد ثقة الناس بحكامهم. ولا تستبعد هذه المصادر ان تقدم الحكومة استقالتها بعد نيلها الثقة وبعد ان تنضج الاتصالات والوساطات التي يقوم بها الفريق الشيعي الذي لا يزال على مسافة جيدة من الجميع والمتمثل بحركة"أمل"ورئيسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري و"حزب الله"المتمثل بأمينه العام السيد حسن نصرالله خصوصاً ان محور المفاوضات اقليمياً وداخلياً ودولياً سيكون مع"حزب الله"لإيجاد مخرج وتنفيذ هادئ للبند في القرار الرقم 1559 الذي يطالب بنزع السلاح من جميع القوى المحلية والاجنبية على الاراضي اللبنانية. وتعتقد هذه المصادر ان اجراء الانتخابات النيابية في أيار مايو المقبل متوقف، على رغم تأكيد كبار المسؤولين اللبنانيين على انها ستتم في موعدها، على الحل الوسط الذي يحاول اكثر من فريق التوصل اليه في الاسابيع القليلة المقبلة.