توقعت دوائر اقتصادية ارتفاع معدلات التضخم النقدي في الامارات الى ما بين 4.5 وخمسة في المئة السنة الجارية على خلفية الارتفاع"الجنوني"في اسعار العقار ومواد البناء والمواد الاستهلاكية في كل اشكالها متزامنة مع قفزات غير مسبوقة ل"اليورو"في مقابل الدولار المرتبطة به العملة المحلية. ولا ينكر المحللون الاقتصاديون نجاح الدولة في السيطرة على التضخم النقدي على مدى نحو عقدين بحيث لم يتعد نسبة واحد او اثنين في المئة. لكنهم رأوا أن الحفاظ على معدلات التضخم باتت اليوم مهددة وتتطلب التعامل معها بجدية لأنها قد تؤثر في اقتصاد الدولة ككل على رغم ارتفاع اسعار النفط. "كل شيء ارتفع سعره. العقارات والايجارات وحتى البيض والحليب والرز، الشيء الوحيد الذي بقي مكانك سر هو مرتبي"، قال وليد الجمل الموظف في احدى الدوائر الحكومية. واعتبر المحللون ان ارتفاع الاسعار، وهي ظاهرة برزت خلال الشهور الماضية، وشملت كل جوانب الحياة، سيؤثر في اسس التوازنات الاقتصادية والاجتماعية. ويلاحظ ان الشريحة التي تأثرت اكثر من غيرها بغلاء المعيشة تمثل المستأجرين العاديين الذين لا يحظون بمنحة بدل سكن التي تمنحها الشركات والحكومة الى الكفايات العالية، ما اضطر بعضهم الى اخلاء مساكنهم والعيش في اخرى أصغر بعد ارتفاع فاتورة السكن في شكل كبير ومفاجئ. ونجد في حالات كثيرة أن اكثر من اسرة تعيش في مسكن واحد لتقاسم المصاريف. ورد المحللون ارتفاع الاسعار الى عوامل خارجية منها ارتفاع فاتورة المستوردين المحليين خصوصاً من منطقة"اليورو"، اضافة الى عوامل داخلية تتصل بارتفاع الطلب على العقار وطمع المضاربين في هذا القطاع. وقال المحلل الاقتصادي ورجل الاعمال سعيد العابدي ان"ارتفاع اسعار المواد الاولية المستوردة من الخارج ومعظمها من اوروبا، اضافة الى طمع المضاربين في هذا القطاع، رفع قيمة الايجارات على التاجر الذي رفع بدوره اسعار السلع، والمتضرر في النهاية هو المستهلك خصوصاً من ذوي الدخل المحدود". ولا تخفي الفاعليات الاقتصادية ان ارتفاع اسعار النفط"نعمة"كما هي"نقمة"في الوقت نفسه، اذ رفعت اسعار المشتقات النفطية والمواد المعتمدة عليها، مثل المواد البلاستيكية والاطارات، فضلاً عن زيادة اسعار الديزل. ويتوقع المحللون ارتفاع اسعار العقار خلال الشهور القليلة الماضية بمعدل يراوح بين 20 و 40 في المئة خصوصاً في امارة دبي التي بلغت فيها الفورة العقارية أوجها بسبب توافد الكثير من الاجانب للعمل في المشاريع الكبيرة والكثيرة التي اطلقتها الامارة خلال السنوات القليلة الماضية. وأشاروا الى ان اسعار المواد الاستهلاكية زادت ما بين 15 و20 في المئة دفعة واحدة. وأعربت عن خشية الفاعليات الاقتصادية من ان"يؤثر ارتفاع الاسعار في مستويات التضخم في الامارات، التي اذا ما استمرت ربما تضر الاستقرار الاقتصادي". وأشارت الى انها"تؤثر في المستثمرين والتجار الصغار وقد يضطر بعضهم الى الانسحاب من السوق". وأشار الخبير في مجال حماية المستهلك حسن الكثيري الى ان"ارتفاع اسعار الايجارات والمواد الاولية يضعف الحلقة المتوسطة من المستثمرين، وهم امام خيارين: اما رفع الاسعار او الخروج من السوق". واعبتر ان"ظاهرة ارتفاع الاسعار تعاني منها معظم الدول العربية وليس الامارات وحسب، لأن التشريعات الخاصة بالمستهلك لا تواكب مرحلة العولمة الاقتصادية التي باتت تطرق ابواب المنطقة". ورأى الكثيري ان"التشريعات في المنطقة لا تخدم المرحلة، خصوصاً قوانين الايجارات التي صيغت منذ اكثر من عشرين سنة، وفتحت الباب امام المالكين والمضاربين للتلاعب بالاسعار". واعتبر ان"غياب قوانين وتشريعات تحكم المستهلك اعطى حرية للمنافسة غير الشريفة، ما يفسح المجال للتكتلات الاقتصادية الاخرى لا سيما منها الغربية في اطار العولمة ان تزيد الاسعار كما شاءت، وهي محكومة بلوائح وقوانين تضبطها". واشار الى ان"التجارة في العالم العربي تحكمها الدولة والتاجر فقط، ويكون المستهلك الحلقة الاضعف في هذه المعادلة". ودعت الفاعليات الاقتصادية المسؤولين في الدولة الى محاولة اتخاذ اجراءات وقائية بهدف تنفيس الضغط على الجبهتين الاجتماعية والاقتصادية، لئلا يؤدي ارتفاع الاسعار الى رد فعل متتابعة تنسحب على مختلف اسعار الخدمات والتي قد تؤثر في القرارات الاستثمارية لكثير من رجال الاعمال الاجانب الذين جذبتهم الاسعار الرخيصة للخدمات في الدولة.