حذّر اقتصاديون من تسارع وتيرة التضخم في السعودية خلال الأشهر المقبلة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإيجارات، في حين كشفت بيانات اقتصادية رسمية عن ارتفاع طفيف للتضخم خلال شهر آب (أغسطس) الماضي. وتوقع الخبراء تزايد ضغوط الأسعار مع تعافي صادرات النفط، لكن أشاروا إلى أن معدلات التضخم ستظل دون العشرة في المئة. وبدأ التضخم في السعودية أكبر اقتصاد عربي يرتفع مرة أخرى بعد أن تباطأ الى أدنى مستوى في عامين ونصف العام عند 3.5 في المئة في تشرين الأول (أكتوبر)، وبلغ التضخم 6.1 في المئة، مقارنة ب 6 في المئة خلال تموز (يوليو)، وهو لا يزال أقل من المستوى القياسي البالغ 11.1 في المئة المسجل في يوليو من عام 2008. وأكد الاقتصاديون في حديثهم ل«الحياة» أن «عدم مراقبة أسعار المواد الغذائية وأسعار السكن يعزز الاتجاه الصعودي للتضخم، مشيرين إلى تكتلات غير منظورة من أصحاب العقارات المعروضة للإيجار، وتكتلات مماثلة من كبار موردي تجار وموزعي المواد الغذائية، وهذه التكتلات تتحكم في السوق وتعمل على رفع الأسعار من دون رقابة الجهات الحكومية التي يفترض أن تراقب هذه الأمور. وطالبوا وزارة التجارة والصناعة في حال عجزها عن القيام بدورها الرقابي بأن تعلن وتتخلى عم مسؤوليتها. وقال الخبير الاستراتيجي رئيس شركة الإبداع للاستشارات الدكتور سليمان بن علي العريني، إن «ظاهرة ارتفاع الأسعار الحالية تقودنا إلى معدل تضخم أعلى مما عليه الآن، ويجب متابعة السوق والعوامل المؤثرة في التضخم بشكل دقيق ووقتي، خصوصاً أسعار المواد الغذائية والسكن». وأضاف أن «التقارير تشير إلى أن معدلات التضخم في السعودية أعلى من مثيلاتها في دول الخليج، ونظراً لوجود بعض العوامل المؤثرة في التضخم خارج سيطرة مؤسسة النقد مثل أسعار المواد الغذائية والسكن والنقل، فمن الواجب تدخل الجهات الحكومية الأخرى مثل وزارة التجارة والصناعة لكبح ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والسيطرة على معدلات التضخم من ناحية، وحماية المستهلك من ناحية أخرى». وأشار إلى أن عوامل مثل شهر رمضان الذي يتوجه السكان خلاله للشراء بكثافة ورفع التجار الأسعار من دون تدخل ومراقبة الجهات المختصة، وقرب موسم العيد والحج، كلها عوامل إضافية تتسبب في رفع معدلات التضخم، كما أن الزيادة المستمرة في أعداد العمالة الأجنبية يمثل عاملاً إضافياً في رفع التضخم، ناهيك عن الآثار السلبية الأخرى لهذا النوع من العمالة وتأثيره السلبي في اقتصاد المملكة. وأكد أن المهم هو تواصل وتنسيق الجهات الحكومية المعنية بمراقبة الأسعار للتحكم في معدلات التضخم والمعدلات الأخرى مثل البطالة والسعودة، وذلك لتخفيف آثار أية زيادة في هذه المعدلات، مع ضرورة توفير معلومات فورية وشفافة حول أي تغيرات تطرأ على هذه المعدلات. من جهته، قال عضو مجلس الشورى رئيس دار الدراسات الاقتصادية الدكتور عبدالعزيز الداغستاني، إن الارتفاع الأخير في مستوى الأسعار لم يكن مستغرباً، وبخاصة لمن يقرأ تفاصيل الأرقام التي أعلنتها مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات، إذ يتضح أن الإيجارات والمواد الغذائية تمثل السبب الرئيس لصعود التضخم. ولفت إلى أن التدقيق في الأرقام يستدعي تفهم الظروف المحيطة بتكوينها، لأن ذلك يسهم إلى حد كبير في فهم أسباب التضخم، ومن ثم وضع الحلول المناسبة للعلاج، لأن التضخم يعكس حالة اقتصادية غير مرغوبة بحكم ما ينتج منها من تبعات تنال الاقتصاد ذاته، ناهيك عن آثارها الاجتماعية على رفاه المجتمع عموماً في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. وقال إن «ارتفاع الإيجارات والمواد الغذائية يعكس هذه الظروف الاقتصادية، وهي تشمل ضغط الطلب من ناحية ومواجهة تكتلات الاطراف المؤثرة في جانب العرض، في مقابل ضعف أجهزة الرقابة الحكومية وآليات الرقابة». وشدد الداغستاني على أن الرقابة على الأسعار لا تعني بأي حال من الأحوال التدخل في آلية السوق أو التأثير في أداء الاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق «فتلك كلمة حق يراد بها باطل، وبخاصة أننا نواجه تكتلات غير منظورة من أصحاب العقارات المعروضة للإيجار وتكتلات مماثلة من كبار موردي تجار وموزعي المواد الغذائية، وهذه التكتلات تتحكم في السوق وتعمل على رفع الأسعار من دون رقابة الجهات الحكومية التي يفترض ان تراقب هذه الأمور، وهذا ما حصل تماماً في تكتلات تجار الحديد، وهو ما استدعى تدخل وزارة الداخلية، ولعل اللوم الكبير يوجه لوزارة التجارة والصناعة التي تقف موقف المتفرج فيما يحصل في السوق من استغلال واضح». ونبه إلى أن «وزارة التجارة قد تكون عاجزة عن القيام بهذا الدور الرقابي بحكم ضعف إمكاناتها، وإذا كان الأمر كذلك فعليها ان تعلن ذلك لولي الأمر، حتى تتخلص من المسؤولية الملقاة عليها». وتابع يقول: «المشكلة أن شريحة كبرى من المواطنين يتأثرون فعلاً بارتفاع الإيجارات وأسعار المواد الغذائية على حد سواء، إذ إن نسبة من يتملك منازل منخفضة جداً، وفاتورة المواد الغذائية تشكل مع الإيجار الجزء الأكبر من موازنة الأسرة السعودية التي تواجه أعباء الحياة بمتوسط دخل للفرد لا يتجاوز 5.5 ألف ريال شهرياً، في مقابل أعباء متزايدة». ورأى العقاري عبدالله المالكي أن ارتفاع أسعار الإيجارات شكل خلال السنوات الأربع الماضية عبئاً كبيراً على الكثير من الأسر، خصوصاً أنه يقتطع جزءاً كبيراً من موازنة الأسرة، إذ لا يمكن الحصول على سكن بسعر أقل من 15 ألف ريال في السنة وفي الأحياء القديمة، لافتاً إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تراجعاً في أسعار الإيجارات بسبب ارتفاع حجم المعروض من الوحدات السكنية والتجارية، وهذا سيسهم في تراجع حجم التضخم في المملكة. وأكد أن القطاع العقاري في المملكة ما زال يسجل تمسكاً كبيراً في الأسعار المرتفعة، خصوصاً أسعار الأراضي، ومن المتوقع أن تستقر هذه الأسعار عند هذا المستوى في ظل استقرار أسعار مواد البناء وصدور نظام الرهن العقاري المتوقع.