ستكون ولادة تركيبة الحكم الجديدة في العراق"أصعب"من سابقتها التي أبصرت النور في حزيران يونيو العام الماضي، بعد دخول عناصر جديدة في المعادلة، أهمها الانتخابات ونتائجها التي لا يمكن القفز فوقها، فضلاً عن استقطاب رموز سنية بعد مقاطعة نسبة كبيرة من الطائفة الانتخابات، إضافة إلى عقدة جديدة تتمثل باصرار الأكراد على انتزاع أحد منصبي الرئاسة. وعلى رغم توقع فوز قائمة"الائتلاف العراقي الموحد"بغالبية الأصوات، إلا أنها لن تنفرد بتشكيل التركيبة الجديدة المؤلفة من مجلس رئاسي يعين رئيس حكومة ويعين هذا بدوره الوزراء. إذ أن هذه تخضع لعملية معقدة من المفاوضات والتجاذبات بين مختلف العراقيين، ويدخل الاميركيون طرفاً فيها، لتنتهي بالتوافق على حزمة متكاملة. ومع ان هذه المفاوضات ستستغرق وقتاً لانجاز هذا التوافق، إلا أن الاحتمالات المتوقعة للتركيبة الجديدة هي: مجلس رئاسي مكون من رئيس سني ونائبين له شيعي وكردي ورئيس حكومة شيعي ورئيس برلمان كردي، أما الاحتمال الثاني فهو رئيس كردي يعتبر سنياً في الوقت ذاته ونائبان له شيعي وسني ورئيس وزراء شيعي ورئيس برلمان سني. وعلمت"الحياة"أن تأخير الاعلان الرسمي لنتائج الانتخابات عشرة ايام، على رغم امكان ذلك خلال يومين، يرجع في الدرجة الاولى إلى محاولة التوصل إلى توافق على التركيبة الجديدة. ويلاحظ وجود اتفاق شيعي حتى الآن على الاحتفاظ بمنصب رئيس الوزراء باعتباره، في رأي زعاماتهم، ضمانةً لرفع الغبن الذي لحق بهم ولتحسين ظروف مناطقهم. وأبلغ مصدر مطلع"الحياة"أن الحوزة العلمية في النجف لن تتدخل في تسمية المرشحين على رغم ترجيح فوز"الائتلاف"التي باركتها، وأوضحت ان اصرار آية الله علي السيستاني على اجراء الانتخابات كان سببه الحرص على ان تصوغ الدستور هيئة منتخبة، من دون ان يعني ذلك استبعاد الوقوف على آرائه أو الاسترشاد بها. وتبذل الرموز الشيعية، خصوصاً في قائمة"الائتلاف"، جهوداً كبيرة في كل الاتجاهات لاعطاء تطمينات للداخل والخارج في مسألتين: أولاً عدم السعي إلى التفرد بالسلطة، والعمل على استقطاب المقاطعين ومنحهم دوراً في الحكومة وليس الجمعية الوطنية كما كان يتردد سابقاً. وثانياً التأكيد على عدم نية الشيعة اقامة حكومة دينية على النسق الإيراني. في غضون ذلك، تنشط الاتصالات والمفاوضات لمحاولة اقامة تحالفات جديدة، إذ يتوقع انفراط عقد بعض القوى السياسية التي خاضت الانتخابات في قوائم ائتلافية، كما برزت المناورات السياسية واطلاق بالونات الاختبار لتحالفات جديدة. ويرجح ان تفضي هذه العملية إلى تشكيل تكتلين سياسيين كبيرين اذا تعذر الاتفاق على صيغة توافقية، يتألف الاول من رئيس الوزراء العراقي اياد علاوي ورئيس الجمهورية غازي الياور وعدنان الباجه جي والزعيمين الكرديين جلال طالباني ومسعود بارزاني لمواجهة قائمة"الائتلاف"ذات الغالبية الشيعية بزعامة عبدالعزيز الحكيم. وقد يظهر تكتل ثالث صغير، يضم عراقيي الداخل وبعض الشخصيات التي ربما فازت منفردة في الانتخابات، لكنه يمكن ان يكون مؤثراً في المعادلة الجديدة وترجيح أحد التكتلين إذا تعادلت كفتاهما. لكن الأكراد، الذين اقاموا تحالفاً متيناً مع الشيعة منذ ما قبل سقوط النظام العراقي السابق حتى الآن، لم يبرزوا الآن ورقتهم باستثناء تشديدهم على اقامة فيديرالية في الشمال. ويعتبر موقف الاكراد مهماً في المعادلة الجديدة وسيحاولون استغلال ذلك لانتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب. أما نقطة الارتكاز للتكتلين الرئيسيين، التي تشكل نقطة خلاف رئيسية بينهما فهي الموقف من حزب"البعث"و"اجتثاثه". فالقوى الرئيسية في قائمة الائتلاف تصر على سياسة الاجتثاث وعدم التهاون في ذلك، وتعزز موقفها بعد توالي المعلومات التي تفيد بأن معظم"العمليات الارهابية"يقوم بها انصار حزب"البعث". أما التكتل الاول، فيعتقد بأنه يدعو الى حكومة وحدة وطنية واجراء مصالحة مع البعثيين مع استبعاد الرموز الكبيرة منهم. ويظهر هذا التكتل ميلاً للتفاهم، وربما التحالف مع بعض القوى الشيعية التي يعتبرها معتدلة. ويبقى احتمال أن تسمي قائمة الائتلاف رئيساً للوزراء. وفيما عبر رئيس"المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق"عبدالعزيز الحكيم، الذي ترأس قائمة الائتلاف، عن زهده بالسلطة والاكتفاء بالارشاد والتوجيه، يصبح"عضو المجلس"عادل عبد المهدي المرشح الأوفر حظاً، حتى الآن، لرئاسة الوزراء من دون استبعاد احتمال الاتيان بوجه جديد بضغط اميركي. يذكر انه بموجب قانون ادارة الدولة الموقت تسمي الجمعية الوطنية الجديدة بغالبية الثلثين خلال اسبوعين مجلساً رئاسياً على ان يعين المجلس الرئاسي بالاجماع رئيساً للوزراء يشكل بدوره حكومة يقدمها إلى الجمعية الوطنية للمصادقة عليها بغالبية بسيطة. وتعد الحكومة الجديدة مسودة دستور بحلول 15 آب اغسطس ويطرح للاستفتاء في 15 تشرين الثاني اكتوبر ويصبح نافذاً بحصوله على الغالبية إذا لم تعترض الغالبية الثلثين في ثلاث محافظات عليه.