"لم اشهد مثل هذا الإقبال في حياتي المهنية. أحياناً انتهي من تأجير مبنى بكامله يتألف من مئات الشقق في أيام، قبل ثلاثة اشهر من إكماله". هكذا أجابت سناء حجار, مسؤولة المبيعات في "بيتر هومز" إحدى اكبر شركات الترويج العقاري في دبي، وهي تسلم وثائق الحجز لسبعة مستأجرين جدد. تساؤل يولد سؤالاً يطرحه كل من يشاهد آلاف الرافعات الحديد، وهي تعانق ناطحات السحاب في حركة تشييد عارمة قلما شهدتها أي مدينة في العالم لتلبية الطلب المتزايد من الداخل والخارج، في وقت يضخ هذا القطاع بلايين الدولارات سنوياً في الناتج المحلي للإمارة، وهو: متى تنتهي الفورة العقارية في دبي؟ مسؤولو الإمارة يدركون ذلك جيداً. فهم استثمروا ما يزيد على 30 بليون دولار في هذا القطاع خلال الأعوام الخمسة الماضية، ويتوقع أن يستثمروا مثلها في السنوات الخمس المقبلة، بحسب التقديرات الرسمية والمستقلة، وشيدوا اكثر من 40 مشروعاً عملاقاً تضم عشرات الآلاف من الشقق الصغيرة والكبيرة والمتوسطة، وآلاف الفلل، بعضها شيد وسط مياه الخليج في إطار جزر اصطناعية، وبعضها الآخر توغل عميقاً في الصحراء. ويضيف الرئيس التنفيذي ل"دبي القابضة" محمد القرقاوي أن حجم الاستثمارات في العقارات في الإمارات يبلغ 300 بليون درهم. الاعلانات الحكومية وتصر الإعلانات الحكومية وغيرها، كلما أطلقت مشروعاً عقارياً جديداً، مثل "برج دبي" الذي يتوقع أن ينتهي العمل فيه سنة 2006، على أنه سيكون "أعلى" ناطحة سحاب في العالم. والطلب لا يزال يفوق العرض، والأسعار تغلي والعائد مغر والمستثمر يجري لاهثاً. ومما يساعد في نمو السوق العقارية، أن المؤسسات المالية المحلية والأجنبية العاملة في الإمارة، تقدم تسهيلات التمويل لشراء المنازل في مشاريعها من خلال قروض سكنية طويلة الأمد، لفترات تصل إلى 25 سنة، وبنسبة 90 في المئة من قيمة المنزل، وبحد أقصى قيمته خمسة ملايين درهم. في منطقة مردف، التي تبعد عن مدينة دبي أكثر من عشرين كيلومتراً، وفي مناطق عدة من الإمارة, يتكرر المشهد. وكلما أعلن عن مشروع، تراكض المستثمرون والناس العاديون من الإمارات وخارجها للشراء، البعض للسكن وآخرون للاستثمار والمضاربة في قطاع استفاد منه كثيرون في مضاعفة أموالهم في الأعوام القليلة الماضية، في وقت هبطت أسعار الفائدة على الودائع المصرفية إلى مستويات غير مسبوقة، وعاد خلاله الكثير من الأموال المهاجرة. الجميع استفاد من هذا القطاع، باستثناء المستأجر العادي الذي ارتفعت فاتورته بنسبة 40 في المئة في غضون شهور معدودة. والاقتصاد الوطني تغذى ببلايين الدولارات سنوياً، اذ أن هذا القطاع ساهم في ضخ نحو ثلاثة بلايين دولار في إجمالي الناتج المحلي العام الماضي، بحسب تقديرات "دائرة التنمية الاقتصادية" في دبي، في مقابل نحو 2,5 بليون دولار عام 2003. والمستثمرون حصدوا بين 15 و25 في المئة فوائد على استثماراتهم، وحققوا أهدافهم الاستثمارية في صفقات مربحة سواء من خلال إعادة بيع ما اشتروه، أو الحصول على مأوى ارتفعت قيمته. لكن المستفيد الأكبر هو المصارف والمؤسسات المالية، إذ قفزت أرباحها السنوية من خلال القروض العقارية وخدمة الديون، التي تمنحها للمؤسسات والأفراد الذين يودون شراء مساكن أو مكاتب. ويتوقع المصرفيون أن تكون القروض العقارية ساهمت بأكثر من 30 في المئة من أرباح المصارف، التي نظّمت برامج للإقراض العقاري خلال العام الماضي. مكاسب للجميع الوسطاء والسماسرة والمروّجون، تضاعفت مكاسبهم أيضاً وكذلك عددهم، خصوصاً مع رواج سوق البيع الثانوي، فضلاً عن السوق الأساسية، ليرتفع عدد المؤسسات العاملة في هذه المجالات إلى 1865، بحسب إحصاءات غرفة تجارة وصناعة دبي، فيما وصل عدد العاملين في السوق العقارية إلى 6621 شخصاً، عدا آلاف الوسطاء والمروجين الذين يعملون من منازلهم. ويعزو وحيد عطا الله، المدير التنفيذي التجاري في شركة "نخيل" العقارية العملاقة، أسباب الانتعاش في القطاع العقاري في دبي إلى عوامل عدة، بينها ارتفاع أسعار النفط وعودة جزء كبير من الأموال المهاجرة بسبب المخاطر التي تتعرض لها في الأسواق الأوروبية والأميركية، وتدني أسعار الفائدة على الودائع المصرفية، فضلاً عن خطة دبي الاستراتيجية في إطلاق المشاريع العملاقة الواحد تلو الآخر، مثل "مدينة دبي للإنترنت والإعلام" و"المدينة الطبية" و"مركز دبي المالي العالمي" و"مركز الذهب والألماس". وأوضح: "أن معدل الطلب على العقار في دبي في تزايد مستمر، والمشاريع التي تطلقها الإمارة تستقطب سنوياً عشرات الآلاف من الموظفين من جنسيات مختلفة، ما يؤدي إلى تنامي الطلب باستمرار". أما متى ستهدأ الفورة العقارية فهو "أمر لا يعلمه إلا الله"، بحسب رجل الأعمال مشعل كانو، الذي سارع إلى القول: "من المستحيل أن تهدأ الفورة غداً أو بعد غد، وإن هدأت، فلن يكون ذلك قبل ست أو سبع سنوات على أقل تقدير"، لأن العقار في رأيه، هو "ثاني موطن للمال في أي دورة مالية بعد المصارف، وهي التي أخذت حقها من السيولة المتراكمة في الأسواق المحلية". تطور السياحة ولفت عطا الله، إلى أن دبي باتت ملاذاً لمواطني دول الخليج الأخرى، والسياح الأوروبيين، خصوصاً الألمان والإنكليز الذين اتخذ الكثير منهم من دبي مقصداً بدلاً من إسبانيا، التي ارتفعت فيها فاتورة السائح مع ارتفاع قيمة اليورو, وبدلاً من جنوب شرقي آسيا، التي ما فتئت تصيبها المحن الواحدة تلو الأخرى، من "سارز" إلى ال"تسونامي". وتشير التقديرات إلى أن نحو20 في المئة من الاستثمار في السوق العقارية تأتي من أوروبا، و25 في المئة من دول الخليج الأخرى. وبحسب بيانات دائرة الأراضي والأملاك في دبي، فإن حجم الاستثمارات الخليجية في السوق العقارية في دبي بلغ 3,8 بليون درهم، وهذا يشمل عمليتي البيع والشراء. وتقوم أربع شركات رئيسة حالياً بالدور الأكبر في عملية التطوير العقاري وإنشاء المشاريع الكبرى، وهي: "إعمار العقارية" و"النخيل" و"دبي للعقارات" و"الاتحاد العقارية". ويقول مسؤولون في مصارف محلية وأجنبية عاملة في الإمارة انهم يتأهبون لإطلاق المزيد من البرامج الخاصة بنظام التقسيط على الأراضي والعقارات، متوقعين استمرار النمو في هذا القطاع، خصوصاً أن المشاريع التي أطلقت والمزمع إطلاقها في الشهور القليلة المقبلة تسمح بتملك الأجانب.